أينما أنبتك الله أزهر!

في خضم انشغالات الحياة، بين العمل والأسرة وتوزيع المصاريف، ننسى أننا لسنا آلات مبرمجة على الاستيقاظ على السابعة صباحا من أجل الذهاب للعمل مرورا بإعداد الفطور وإيصال الأطفال للمدرسة، ليبدأَ صراع وسباق النفس ضد الزمن، فإما أن نننهي الأشغال قبل الوقت المطلوب وإما أن تنهيهنا (النفس) -وهي منتهية لا محالة-.
تتكرر دائرة المهام يوما بعد يوم، حتى ننسى أننا “إنسان” وما المميز في ذلك؟ أليس العمل والكفاح سنة الحياة التي لا حياد عنها؟ بلى، العمل عبادة تُؤْتي أكلها دنيا وآخرة، وهو شرط أساسي لحياة مستقرة وعيش هانئ، وغايته هناء النفس لا شقاؤها. هنا يضيء في الوجود معنىً جديد لكلمة شقاء؛ فلا أعني بها هنا الاجتهاد التام أو أُضاد بها الكسل والخمول، وإنما أنفي أن يزيد العمل النفس همّا فوق جبال همومها المتراكمة، أو أن يفسد علاقة كان المرجو إصلاحها، أو أن يضيع فرصا من يدري أين نجد أمثالها.
مقالات مرتبطة
إن عِشنا بمبدأ: “لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك/غيرك عليك حقا”، فسنرى بوضوح أن الحياة ليست تحصيلا ماديا نراكم به الثروات ونزيد به الأرقام المكدسة في حساباتنا البنكية؛ الحياة علاقات تبنى لبنة لبنة، وقبلها ذات تصنع خطوة خطوة!
ومعنى ذلك أن الذات أولى بالاستثمار فيها من أي مجال آخر، وليس بالأمر الهين -كما ليس بالصعب- أن تصبح مستثمرا ناجحا في ذاتك، يكفيك التفكير في تقوية قوامها وأساسها: العقل، والقلب، والنفس والروح.
رغم التباين والتشابه الذي يجمع المفاهيم السالفة الذكر -والذي لن ندخل غماره فهو ليس هدفنا هنا- إلا أن تحقيق التوازن بينها متكاملة يحقق دعامة صلبة لمشروع ذاتٍ صلبة متوازنة بإذن الله. ولكن، كيف السبيل إلى ذلك؟ ثلة من الأسئلة لا بد أن نتخذها أنيسة في إحدى جلساتنا، ونفكر في أجوبة عميقة لا سطحية لها، أجوبة تكون دليلنا فيما تبقى من العمر: لأي اتجاه سنوجه أشرعة قلوبنا: آ التعامل بحب وصفاء تجاه الأكوان، أم الاحتفاظ بمشاعر وليدة للحظة كئيبة كان يمكن أن تُزالَ من ذاكرتنا تلقائيا لو أننا عوضناها بما يطفو فوقها حتى يغطيها ويزيل الأثر!؟ كم من فسيلة خير زرعناها في ذاكرة أحدهم، فنصبح في ذلك خير مثال على العطاء وتطيب بذكرنا الألسن؟ وكم من ذرة حب ورحمة وضعنا أساسها في القلوب؟ هذه الأسئلة وغيرها لا بد أن تكون هداية لقلب جديد، ونفس جديدة، وأفكار جديدة اختارت من الخير عنوانا لكل فعل وفكر ونية.
في إحدى المرات وأنا تصفح منشورات الإنستغرام، وقعت عيني على مقولة لعملاق الأدب الروسي فيودور دستويفسكي، كانت فاصلا بين ما قبلها والآن، يقول فيها: “إن سر الوجود البشري ليس كامنا في البقاء على قيد الحياة فحسب، بل في العثور على شيء يحيا المرء من أجله”. فعلا، الحياة ليست كدّاً وجدا وجهدا فقط، الحياة مشاعر، الحياة اعترافات صادقة، الحياة لمسات سحرية وبسيطة في الآن ذاته، الحياة أفعال نبيلة، فلنظِف بعض الحياة لحياتنا!
هل فكرت يوما أن تجرب تحضير شوكولاتة الدهن رفقة ابنك، وتجعله هو من يحدد مقدار السكر والكاكاو مستمتعا بذلك بدل من أن تذكره كل مرة بالاقتصاد في استهلاكها فثمنها قد ارتفع عن المرة السابقة؟ هل جربت أن تتصل بقريب لك دون سابق إنذار معبراً له عن محبتك وأنه أولى في الذاكرة رغم أعباء الحياة؟ هل تخيلت تأثير زيارة مفاجئة لجدتك تذكرها بأن حُنُوَّها على أحفادها لا يقابله مثيل؟! كلها أفعال تستحق منا الكثير من الاستثمار. وتذكر:نحن لا نفارق الحياة عندما تصعد أرواحنا لبارئها، وإنما عندما لا تبقى لنا في الأذهان ولو صورة واحدة لصيقةً بالخير والحب! أينما أنبتك الله أزهر، وكن ممن يقال: مرَّ وهذا الأثر!
1xbet casino siteleri bahis siteleri