اتخاذ القرار بين القهر والاختيار

لا شك أن حياتنا مبنية على اختيارات، فما اخترته أمس بعد حيرة وتوجس هو الذي يخول لك المكانة التي تتمتع بها اليوم، وغالباً ما تكون هاته الاختيارات التي نختارها حاسمة ومصيرية في حياتنا الشخصية؛ لذلك يجب أن يكون اختيارنا صائباً ومعقلناً لكي لا ندفع الثمن مستقبلاً.

هناك مشكلة إن لم نقل معضلة نعاني منها بشكل كبير في مجتمعاتنا العربية عموماً وفي المجتمع المغربي على وجه الخصوص، هذه المشكلة تتجلى في العجز عن اتخاذ القرارات التي تأخذ طابعاً شخصيا، وهنا يتحتم علينا أن نميز بين أنواع القرارات التي تصادفنا في الحياة؛ فهناك قرارات جماعية كأن يعقد المدير في الشركة التي تعمل بها اجتماعاً لكي يتخذ قراراً معيناً بعد التشاور مع الموظفين، أما النوع الثاني فهي القرارت الفردية كاختيار التخصص الجامعي أو اختيار نوع الهاتف المحمول أو اختيار شريك الحياة…إلى غير ذلك مما يخصك وحدك، وهذا موضع اهتمامنا في هذه القطعة النثرية القصيرة.

القرار الفردي بدوره ينقسم إلى نوعين، نوع عادي ومألوف؛ كأن تختار لون القميص الذي تود أن ترتديه عند الذهاب لموعد ما، أو أن تختار نوع الهدية التي تريد أن تهديها إلى أحد أقربائك في عيد ميلاده، أما النوع الثاني فهو القرار المصيري الذي يتبعك طوال حياتك ويؤثر فيها بشكل بالغ؛ كاختيار التخصص بعد البكالوريا أو الزواج أو الهجرة ونحو ذلك.

إذا كنا نؤمن بحرية الإرادة لدى الإنسان، وإذا كان رب العالمين قد قال: لا إكراه في الدين، فمن الضروري أن يكون الفرد حراً في اختيار قراراته الشخصية، لكن المجتمع العربي لا زال فيه نوع من السلطوية والقهر في اتخاذ القرار؛ فالأب يريد لابنه أن يختار التخصص الذي درسه وتمكن به من تحصيل وظيفة متواضعة مع الدولة، مع أن استعدادات الابن ورغباته تتناقض مع توجهات الأب، إلا أنه ينبغي عليه أن يسمع ويذعن، والأم تريد لابنتها أن تتزوج بابن عمها وأن تترك الجامعة وإلا فهي من العاقين المارقين، وهم في هذا يمشون على مقولة: من اتبع طريق أبويه ربح وفاز ومن زاغ عنها انكسر وهلك.

إن ممارسة الوصاية مؤشر على تخلف سلوكي وعقلي، فما دام الإنسان ذو إرادة حرة فلا ينبغي أن نملي عليه اختياراته الحياتية، خصوصا إذا كانت قرارات مصيرية كاختيار التخصص أو الوظيفة أو الزواج وغير ذلك، ولكي نفهم هذا جيداً علينا أن نعي العوامل التي تتحكم في الإنسان، فالفرد ينطلق من ميولات تتشكل عبر محيطه الاجتماعي والأسري، كما أنه محكوم بعوامل نفسية؛ فهو مثلا يحب شرب القهوة ويكره شرب الشاي، ويميل إلى لباس معين وينفر من آخر، ويعشق اللون الأحمر ويكره اللون الأصفر، وبهذا، فالناس أذواقهم مختلفة وميولاتهم متفاوتة.

ومن هذا المنطلق، يجب أن نفرق بين أمرين اثنين أولاهما التشاور، وهو عادة محمودة ينبغي تبنيها؛ ذلك أن الفرد قد تنقصه خبرة أو معرفة معينة وبالتشاور تزول عنه الضبابية ويفهم الأمر من زوايا متعددة، لكن الأمر الثاني وهو فرض اختياري على الآخر سواء أكان ابني أو ابنتي أو أختي أو غيرهم فهذا الأمر غير مقبول، وذلك يرجع إلى اعتبارات متعددة تتعلق بشخصية الإنسان وميولاته ورغباته، فهل يعقل أن يدفع الابن ثمن اختيار خاطئ كان لأبويه الحظ الأكبر فيه؟!

لذلك، نجد في مجتمعاتنا من يتزوج لا لرغبة ذاتية محضة دفعته لذلك، بل يفعل هذا لمجرد أن والديه رغبوا في هذا أو لأن المجتمع ينظر إليه نظرة امتعاض، بل حتى شريك الحياة في بعض الأحيان لا يختاره الشخص بنفسه بل يكون للآخرين نصيب فيه، وهذا نلاحظه كثيرا في المجتمعات التي يتحكم فيها العقل الجماعي بشكل كبير؛ حيث يصبح الفرد يفكر بعقول الآخرين ويلبي رغباتهم لا رغباته هو، وفي هذا كله نوع من القصور لدى الإنسان، فالحياة التي أسعى فيها لإرضاء الغير لا يمكن أن تكون حياة سعيدة البتة.

إن القرار الخاطئ يتحمل الإنسان مسؤوليته وتبعاته طوال حياته، ويزيد الأمر سوءاً عندما يكون هذا القرار الخاطئ قد اتخذه هذا الإنسان لرغبة نابعة من شخص آخر وليس من صميم نفسه ومن عمق رغباته. علينا أن نستوعب مصيرية القرارات الكبرى في الحياة وتأثيرها الحاسم على حياتنا.

في مقابل هذا، فإن القرار الصائب يأتي عن طريق دوافع ذاتية ورغبات شخصية، كما أن الاستشارة مع ذوي الخبرة قد تساعد في الاختيار الجيد، أما فرض الوصاية في الاختيار، فهذا لا ينتج سوى خانعين ومقلدين لا مبدعين ومبادرين.

لقد برهن الواقع أن الآباء الذين يعطون أبناءهم حرية أكبر في اتخاذ قراراتهم ينمو لديهم حس المسؤولية مستقبلاً؛ فعندما تعترضه مشاكل في حياته يتمكن من حلها بسهولة باتخاذ القرار الصحيح، أما الذي يجبر أولاده على ما يراه هو حسب هواه صائباً ويمارس عليهم القهر في اختياراتهم؛ فإنه بهذا يعلم أبناءه عادة الاتكالية والتردد في اتخاذ القرار، وهذا ضرره جسيم ومآله وخيم.

ختاماً، يمكننا القول إن اتخاذ القرار يحتاج إلى حرية في القيام به مع ربط هذه الحرية بالمسؤولية الفردية للإنسان، فعندما يختار الإنسان طريقاً معيناً سيتحمل مسؤوليته فيه، وبما أن حياتنا هي في الأول والأخير مجموعة قرارات، يكفي أن نعيشها وفق قراراتنا التي اخترناها بمحض إرادتنا، ومن هنا نبني سعادتنا مهما كانت تبدو للآخرين غير مناسبة، فهي مع ذلك، وفقا لمقاسنا لا مقاسهم.

1xbet casino siteleri bahis siteleri