العلاقة مع الآخر بين الأنانية والإيثار

لقد ظهر الإنسان على الأرض، وغُرزت فيه بشكل فطري آلية العيش مع الآخرين، ومن هنا سماه العلماء بالكائن الاجتماعي الذي يعيش وسط جماعة موحدة لا يخرج عنها، وهو باجتماعيته هذه يحتاج إلى بناء صلة بالآخرين عن طريق تشييد علاقات اجتماعية إنسانية في مختلف محطات حياته، في المدرسة والجامعة والعمل والحي ووسائل النقل…

والعلاقة مع الآخر هي علاقة مع إنسان له أفكاره التي يتميز بها، وشخصيته التي يتفرد من خلالها، ونمط العيش الذي يحبه ويشعر فيه بالسعادة، فذلك الآخر شخصٌ مختلف عني، لكن قد أجد معه بعضا من نقط التشابه والالتقاء، وهذا ما دفعني بالأساس إلى ربط علاقة معه لتقاسم المشتركات والتعايش مع المختلفات.

والعلاقات مع الغير تختلف باختلاف المرتبة بين صديق عزيز مُقرب وآخر بعيد لا يعدو أن يكون محطة في حياتك، أوقعك القدر معه، وهذه العلاقات درجات كذلك في التعامل والانفتاح فالصديق المُقرب تكون علاقتك معه منفتحة أكثر، بخلاف من تعرفه من بعيد ولم تسبر أغوار شخصيته وطبعه، وهذا ما يجعلك حذرا ومنغلقا اتجاهه.

إن العلاقة مع الآخر التي أتحدث عنها في مقالي هذا ليست العلاقة الزوجية الغرامية القائمة على العشق والمودة، ولا العلاقة العائلية التي تقوم على الدم والقرابة، بل قصدي هو العلاقة التي ترتكز على معرفة ثم تفاهم ثم صداقة ثم عشرة قد تطول وقد تقصر.

مقالات مرتبطة

وقد كتب العديد من الأدباء والمفكرين قديما وحديثا عن الصداقة والأصدقاء وأهم القواعد التي تحكم هذه العلاقة الإنسانية الملحة، وفي نظري الشخصي أن الإنسان الذي لا صديق له إنسان انطوائي له علة نفسية، فلا بد للمرء أن يجد شخصا واحدا على الأقل يبادله اهتماماته وميولاته وأفكاره وأحزانه. لكن، ماذا نقول لمن يجد راحته في عزلته ووحدانيته؟

مما لا جدال فيه، أن الإنسان من حين إلى آخر يحتاج إلى عزلة ووحدة وانفراد بذاته، لكي يراجع أوراقه ويقوم تصرفاته ويخاطب دواخل نفسه، لكن هذه العزلة لا ينبغي أن تكون قاعدة وأصلا عند المرء، فهي لا تعدو أن تكون تمرينا يلجأ إليه الناس لترميم أنفسهم بين الحين والآخر.

والعلاقة مع الآخر قد تتخذ منحى إيجابيا، فيكون معينا لك في حياتك ومآزرا لك في أزماتك، ومخلصا لك في علاقته، وناصحا لك عند زلاتك، وهذا هو النموذج الأمثل للصديق الوفي الذي تطول معه العشرة، وتحس بمجالسته ولقائه بالمتعة والسعادة، فإذا وجدت مثله فلا تفرط فيه أبدا. كما قد تتخذ كذلك منحى سلبيا غير مرغوب فيه، ومثال ذلك أن يكون صديقك صاحب مصلحة ضيقة، لا يتواصل معك إلا في البحث عن منفعته القاصرة، ويهجرك عند سقوطك في الأزمات، ولا يرى فيك إلا المساوئ والعثرات.

وفي هذا أقول: امقت من لا يسأل فيك إلا عند مصلحته، ولا يتذكرك إلا في طلب منفعته، ولا يجدك إلا مدخلاً لمآربه، ولا غرو أن كل واحد فينا يبحث عن حاجته؛ هذا مفهوم وهو مغروز فينا أكان ذلك من طريق التربية أم بالفطرة الإلهية، وهو إحساس يجده كل واحد منا في فكره ويلمسه في سلوكه وتصرفه. لكن، أن يصبح هذا السلوك قاعدة عند المرء يدبر بها حياته وعلاقاته مع الآخرين، فهنا الرذيلة وهنا الأنانية وهنا كل معاني الخَسَاسة والدونية. وعندي أن هذا النوع من البشر مُجَّردٌ من كل معاني الإنسانية، وعندما ينظر المرء فوق مصلحته؛ فإنه يتسع نظره وتبرز معالم نضجه ونجاحه العلائقي مجتمعيا.

إن العلاقة مع الآخرين لكي تكون إنسانية وناجحة ينبغي أن تتجاوز المنطق البراغماتي الذي يخرب العلاقات ويجعلها جامدة خاضعة للحسابات الضيقة، وبمدى نفعية الآخر لنا على المستوى الشخصي والعملي. لذا يميل الناجحون علائقياً إلى وضع أنفسهم في دائرة تناسبهم طبقياً وفكرياً لكي لا يقعوا في فخ النفعية القاصرة، كما أن تخلصنا من البحث عن المنفعة المحضة في علاقتنا مع الآخر تجعلنا نغوص في أعماق نفسيته، وبهذا أكتشفه وأفهمه وأتعايش معه وصولا إلى السعادة وتحقيقا للأخوة الإيمانية والإنسانية.

1xbet casino siteleri bahis siteleri