مخلفات الفشل

عندما نفشل، تحاصرنا مشاعر تستحيل معها اللحظة إلى حياة سرمدية نفقد فيها أنفسنا، نشعر فيها بأن كل جهد بذلناه لم ولن يُجدِ نفعا، وكأن أمواج البحر طالت أحلامنا وابتلعتها لتستقر في قعره المظلم الكئيب. في هذه اللحظة التي نحس فيها بأن كل محاولاتنا لن تُكلَّلَ بالنجاح، وأن كل ما تمسُّه أناملنا يذبل ويموت، آنذاك، ندرك أهمية ما ينتظرنا ونعترف بأن هذه الأحاسيس المنصهرة بداخلنا ما هي إلا “مخلفات الفشل”.

جميعنا نفشل، لا يوجد إنسان على سطح هذا الكوكب لم يجرب الفشل في إحدى محطات حياته إن لم يكن في أغلبها. مذ بدأنا نرى الحياة ونحن نفشل؛ عندما كنا نتعلم المشي صغارا، أول حروفنا المخطوطة أو المنطوقة، امتحاناتنا، أولى مشاريعنا… وما نستخلصه في كل مرة؛ الفشل هو جزء من سكة لحياة، ومن دونه لن يجد قطارك الطريق ليتحرك.

عن نفسي، جربت الفشل عدة مرات، وأحيانا يكون خارجا عن إرادتي، لم يكن بسبب ضعف أو نقص مني، بل لمجرد عوامل خارجية تتحكم به، أو هكذا بدا لي. ولكن، في كل مرة تنتابني فيها مخلفات الفشل وأحاسيسها المتضاربة، كنت أجدني أحاول التركيز على الأسئلة التالية: “لم علي المعاناة مع هذا الفشل؟ هل ستتوقف الحياة الآن؟ هل نفذ الأكسجين من الكرة الأرضية بسبب فشلي؟” حينها أستفيق من بلاهتي وأدرك أن مشكلتي الصغيرة مع الفشل لا تقارن بالمشاكل العالمية الحقيقية، ومادام قلبي ينبض بين جنبي فسأحاول مجددا ومجددا إلى أن أصل إلى النجاح الذي أريد.

لنتخيل قليلا لو أن الفشل لا وجود له، فقط النجاح، الواحد تلو الآخر في كل المجالات. هل ستكون الحياة ممتعة؟ أستطيع أن أجزم أنها ستتحول إلى مستنقع ملل بامتياز؛ لأن ما يجعل النجاح نجاحا هو ذلك الفشل الذي سبقه، ولا يمكن أن نحس بحلاوته إلا إذا تجرعنا مرارة الإحباط. أعلم أنك قد تقول لنفسك الآن: ولكن لماذا علي أن أجرب الفشل وأنا أتعب وأبذل جهدي لأحقق ما أصبو إليه؟ أجل أنت محق، فالقاعدة العامة أن كل مجتهد ينجح ويحقق أحلامه، ولكن لا ينبغي أن نتأثر بهذه القاعدة على الدوام ونعتبرها مُسَلَّمَةً لا غبار عليها، فلكل قاعدة استثناء ولا نستطيع تعميم الأشياء.

نحن نحتاج للاجتهاد والعمل الدؤوب لتحقيق أهدافنا، ولكن الاسترسال في البحث عن حجج تبرر الفشل حال وقوعه، أو ربما الإسهاب في صياغة الأعذار الواهية التي تثبط العزيمة يجعلنا نركن إلى الراحة ونستمتع بالكسل. أنا لا أطلب منك التسلح بقلب حديدي لا يتأثر عند الفشل ولا يحزن على ضياع الأحلام، فقط لا تجعل فترة الحزن تطول، ولا تسمح لمخلفات الفشل بافتراس حياتك، بل اجعلها دافعا لك بدلا من أن تكون زِرَّ تدمير ذاتي.

أخيرا وليس آخرا، عند كل محطة من محطات الفشل، ينبغي أن ننفض رماد الحزن والخوف ونُنْبِتَ من ترابه أزهار أحلامنا المنتظَرة.. ومع الوقت، سنحب هذا الفشل وسندرك أنه كان أفضل معلم في هذه الحياة.

1xbet casino siteleri bahis siteleri