مُنعطف الأَهدَاف!

ما هدفي في هذه الحياة؟ هل يبدو هذا السؤال مألوفا؟ أبشر إذا، فأغلب الناجحين ممن حققوا ذواتهم طرحوا هذا السؤال في مرحلة ما من مراحل حياتهم. كل إنسان عاقل حي القلب والضمير لا بد وأن يتساءل عن وجهته وهو سائر في حياته. لا يُعقَل أن يتحرك الإنسان عشوائيا في دروب الحياة ويتخذ قرارات عشوائية كيفما اتفق. التريث من حين لآخر والوقوف على سؤال من قبيل: ماذا أريد في هذه الحياة؟ ما هو هدفي الأسمى في هذه المرحلة؟ وغيرهما هو سلوك أي إنسان ناجح ينشُد الخير لنفسه ولغيره.

لا يختلف اثنان على أننا نعيش في هذه الدنيا كدار ابتلاء كي نعبد الله عز وجل ونوحِّده ونؤدي دورنا الذي خلقنا لأجله من عبادة وطاعة، طمعا في دخول الجنة، ولكن، هناك أهداف دنيوية تتقاذف كل واحد منا ونسعى جاهدين لتحقيقها؛ إنه الطموح الذي جَبَلَ الله عليه النفس البشرية كي تصلح في الأرض وتُعَمِّرَها بما يرضيه سبحانه.

ما يحدث أحيانا هو أننا نفقد علامات التوجيه والإرشاد ونحن في طريقنا نحو هذه الأهداف، يحدث أن نكون بعيدين عن الصورة التي رسمناها لأنفسنا في مخيلتنا عن المستقبل المشرق، يحدث أن نجد أنفسنا ننعطف على طريق فرعية غير الطريق الرئيسية المُضَاءَةِ التي بدأنا عليها، يحدث أن نغرق داخل دوامة من الحيرة والتشتت حول هذا الإحساس بالضياع، لنجد أنفسنا نقول: لم وصلت إلى هذا المكان؟ ما الحلقة المفقودة الآن؟

عندما يصل الإنسان إلى هذه النقطة، يجد نفسه بين أمواج الإحباط والغضب؛ إحباط من الواقع الذي لا يبدو كما تمناه في الماضي، وغضب من نفسه لأنه لا يعرف كيف يتصرف ليغير الأمور. هو يعلم يقينا في قرارة نفسه أن الأمر غير مرتبط بعدم الرضا والقناعة بكل حال، كما أن الأمر لا علاقة له بالكسل وعدم الرغبة في التغيير، هو فقط لا يعلم أين هو ومن أين عليه الانطلاق، كل ما يحتاجه هو بوصلة تعيده إلى الطريق الرئيسي الذي بدأ منه.

هذا الإنسان الحائر على استعداد تام للمضي قدما والخروج من متاهة الإحباط، لكن الأمر أعقد من أن يكون مجرد غياب أهداف حقيقية مهمة، إن الأمر يتعلق بصعوبة التنفيذ والتنزيل، فَتَغَيُّرُ بعض التفاصيل في حياتنا قد يغير اتجاه السفينة برمتها إلى وجهة أخرى غير التي كنا نعتزم الذهاب إليها، لنلقى أنفسنا مختنقين جراء مقارنتنا الدائمة لحصيلة إنجازاتنا، في نهاية كل مرحلة نجد عجزا في حصيلتنا لا يعكس أي تقدم على مستوى تحقيق الأهداف، فننطفئ تدريجيا لتغدو كل الأحلام أمامنا بلا قيمة ولا فائدة.

هل حقا تفقد حياتنا معناها فقط لمجرد أننا عجزنا عن الوصول إلى هدف معين؟ قد تكون الإجابة نعم، بغض النظر عن نوعية الأهداف، فهذه الأخيرة تمنحنا أملا بالحياة، تُشعرنا بأننا نمتلك ولو الحد القليل من السيطرة على حياتنا؛ فنحن نعرف ما نريد وأين سنتجه. فقدان هذا الشعور بالتحكم يخلق نوعا من الاهتزاز في مستوى الأمان لدينا، فغياب الأهداف يعني غياب رؤية مستقبلية لما سنفعله وبالتالي التخبط في دهاليز الحياة.

أول خطوة يمكن القيام بها لنبتعد عن الطريق الفرعية المظلمة: هي الاعتراف والتقبل. خرافة الإنسان الخارق الذي يقوم بكل شيء بيسر وسهولة لا توجد إلا في الحكايات الأسطورية؛ البشر يفشلون، يَتَخَبَّطُون، يضلون طريقهم ويضيعون من حين لآخر، ومقاومة المشاعر البشرية التي خلقها الله فينا هي ضرب من الجهل والغفلة.

قد لا نملك السلطة على أفكارنا ومشاعرنا، ولكن مسايرة الإحساس بأننا تائهون دون وسيلة للعودة إلى درب الإنجازات ليس بالتصرف الرشيد، ففي نهاية المطاف، الأمر لا يعدو أن يكون مجرد إحساس، والضياع الحقيقي هو تصديق هذا الإحساس والانجراف وراءه بدل العمل على إيجاد الحلول المناسبة.

على الإنسان أن يتقبل حقيقة المرور عبر انتكاسات وهو يتسلق قمة أهدافه، إنه شرط أساسي من شروط الوصول المثمر، ففترة الانتكاسة تساعد على إعادة ترتيب الأولويات ومواكبة التغييرات التي تطرأ في حياتنا، وتمنحنا الوقت لنكتسب المرونة اللازمة لنتكيف مع مختلف الأوضاع، ناهيك عن تقبل الظروف الجديدة وتعديل أهدافنا بما يتلاءم معها. وعكس ما يراودنا خلال هذه الفترة من إحباط وتشتت وحيرة، ينبغي أن نمتن لانتكاستنا ونشكرها على الدروس التي تقدمها لنا؛ إنها دليل على أننا سنتغير للأفضل إذا ما أحسنا استغلالها.

أخيرا وليس آخرا، الإنسان ملزم بالتقدم ما دام على قيد الحياة، لا يملك رفاهية الانتظار والركون لمشاعر الحيرة، مهما بدا التقدم بسيطا فهو جيد، فبعد كل شيء، النجاح خطوات متتالية ومتماسكة، ولتحقيق الأهداف نحتاج إلى النَّفَس الطول وسعة الصدر للتعامل مع تقلبات ذواتنا بحكمة.

1xbet casino siteleri bahis siteleri