وهم الحب

هل حدث وأحببت يوما؟ أو جربت أن تعيش تجربة حب جميلة أزهرت روحك وغمرتك بالسكينة والسعادة؟ إن ما نشاهده في المسلسلات من رومانسية وحياة زهرية ليس حبا، بل هو مجرد وهم ترسخ في عقول الكثيرين؛ يعيشونه في مخيلتهم ويسقطونه على أول إنسان نظرت إليه أعينهم وفق ما يسمونه بالحب من النظرة الأولى، حيث يتملكهم ذلك الإحساس السريع بالانجذاب نحو الآخر، وتعتقد حينها الفتاة الجميلة أنها وجدت فارس أحلامها ومنقذها من الوحدة، بينما الفتى لا زال تائها يبحث عن ذاته داخل كل جميلة رآها، ينتقل من واحدة إلى أخرى كالنحلة باحثا عما يروي ظمأه الداخلي.

لكن، سرعان ما يتبخر هذا الحب تاركا وراءه الكثير من الخيبات والخذلان، ذلك أن كلا الطرفين عاشا قصة خيالية بعيدة كل البعد عن الواقع، فكل منهما جسد صفات محبوبه في مخيلته ولونها بألوان يحبها هو وتروق له، إلى أن يكتشف في الأخير أن الواقع مخالف للخيال، وأن إعجابه المبني على رسومات وهمية مقتبسة من الأفلام والمسلسلات من شكل خارجي وهدايا وكلمات لطيفة حلوة سرعان ما تتلاشى أمام الجوهر الداخلي. من هنا يدخل المرء دوامة الحزن والاكتئاب وتصيبه لعنة اليأس والإحباط يظل يتخبط باحثا عن يد تمسكه لينهض مرة أخرى، فما كان يحمله في فؤاده ضاع واستنزفت طاقته في بناء وهم الحب الوردي.

إن الحب الحقيقي يتأسس على الاقتناع الكامل بجوانب شخصية الشريك المختلفة وطريقة تفكيره والعواطف المتبادلة، وأن هذا الآخر يشاركه أحاسيسه وأفكاره ويمنحه الأمان، ويبني معه بيتا بأسس ثقيلة لا تسقط مهما عصفت بها الظروف، ترتكز على الصبر، والمودة، والاحترام، والتطوير المستمر للذات والمشاركة في تحقيق أهداف سامية مشتركة تخدم كلا الطرفين وتساهم في وضع بصمة جميلة داخل المجتمع.

مقالات مرتبطة

هذا الاقتناع، لا يكتمل إلا بفهم معاني الحب الحقيقي والعمل بها، فعلى المرء أن يحب ذاته أولا، يثق بها، يفهمها ويفهم احتياجاتها، يطورها ويغذي روحه بتقوية إيمانه وترويض نفسه على التسامي في الخوض فيما يضرها ويعبث بها، ومن ثم يوازن بين عاطفته ومنطقه حتى يصل إلى سلامه الداخلي، فإذا وجده طابت نفسه ونشر حبه بين الجميع بلطف ورقي، بعيدا عن المفاهيم الخاطئة الشائعة حول الحب؛ فقلوب البشر ليست للهو واللعب والتجربة، ولا حتى مخبأ للقطع الناقصة. لذلك، فبناء النفس وتزكيتها أهم بكثير من اللهث وراء الحب الوردي الأبدي لأنه لا يحدث هكذا ولا يكتمل، فمن عرف قدر ذاته عرف قدر محبوبه.

لا يزول الحب الحقيقي ولا يندثر مع مرور الزمن، وهذا ما يبعث السعادة في النفوس؛ فهو يولد داخلنا ليزهر حياتنا ويزيدها حلاوة ويقينا حرارة القسوة. ومن الضروري العمل على تقوية بناء الذات حتى يمتلئ فراغها الداخلي وتتلاقى الأرواح تحت رحمة الله، بالتوكل والدخول إلى القلوب من الأبواب الواسعة وليس من الشبابيك، لأن الحب يتحقق بالزواج ويكتمل، فمن حكمته تعالى أن جعله مؤسسة ترتكز على مبادئ ثقيلة من إحسان، وعطف، واحترام، وتقدير ومودة حتى يشعر المرء بالأمان والراحة والألفة.

إنه تجربة رائعة ولا أحد منا يريد أن يعيشها بشكل سيء أو أن تكون ذكرى أليمة أو نقطة تدمر الذات، لذلك فلنرتقِ بالذات حتى نصل إلى معالي الدرجات.

1xbet casino siteleri bahis siteleri