خزانة الأحلام

يتساءل الكثير من الناس: أين نجد خزانة الأحلام؟ من الجليّ أن الرغبة الفطرية لكل كائن بشري هي أن يَلقى اعترافاً بوجوده عبر ترجمة أحلامه وطموحاته بلغة الواقع. يشكل بلوغ المراد والمبتغى عملية ذهنية تكون تفاصيلها معقدة، ونجاحها نسبي بوجود الواقع كمؤثر حقيقي؛ مما دفع الإنسان إلى إِنشاء عالمٍ افتراضي أسماه “خزانة الأحلام”، واتخذه رمزا لعالمه الداخلي، -وهو ما يفسر تخوفه وتردّده في خضم علاقة مع واقعه المخذل- عالم يُعتبر النقطة الفاصلة بين أحلام اليقظة التي يحددها باختياره الحر والحياة الواقعية.

من الواضح أن المراوحة ما بين الموجود والمنشود، تشكل قلقاً موضوعياً للذات، فأيّهما سيكون الأثقل في ميزان المنطق؟ يمثل الواقع كل ما يُراد لنا أن نعيشه بأقداره، وقوانينه ونواميسه، يبقى لحظة لا نستطيع إرجاعها مهما حاولنا وسعينا لذلك. أما الأحلام، فهي ما نريد ونتمنّى، نملك الحرّية المطلقة في صنع مشاهد غير مرئية تُرضي طموحاتنا، ونتحكّم بجميع خيوط أحداث مشاهدها بسهولة تامة.

لكن، يتوجب علينا أن نَعي جيّدا أن الأحلام قد تكون في مضمونها مشروعة أو غير مشروعة، فالأولى تكفينا بطموح جامحٍ، وفكر مستوٍ. أما الثانية، فتبقى أحلاماً من الدرجة الأسطورية التي لا يمكن ترجمتها إلى لغة الواقع الصريح والفعّال؛ فهي أحلام عقيمة ضمنياً، تبرّأ منها الواقع وتخلى عنها، وتولّى الانتظار قيادتها. لا أنوي في هذا المقال مناقشة قضية الأحلام الأسطورية على أرض الواقع، فهذا الأمر له ساحات من النقاش ذات بعد مختلف.

وفي سياق آخر، نجد أنفسنا في هُوّة سحيقة، لا شيء ينتشلنا منها ويحمينا من الواقع غير أحلامنا ذات الصبغة الطفولية، وغير القابلة للتأكسد التي تطعمنا أملاً، وتكسونا بثوب الشجاعة والجسارة. لا حاجة لنا بشعلة قنديل أو ضوء شمعة في ليلة مقمرة، نرفع فيها رؤوسنا للسماء لنُسامر القمر، ونُبعد الضجر، ونُحلق بأرواحنا إلى نجومنا التي تحمل أحلامنا الزّاهرة من الأمل، وحتى لا نلوم أو نُعاتب أنفسنا لضياعها نقرر قطفها والاحتفاظ بها في خزانة الأحلام، نرتبها حسب أولوياتنا، ومدى طموحنا، وشدّة مطامعنا وجشعنا، ثم نقفلها بإحكام خوفاً من سارقها الوحيد والأكيد؛ الواقع.

مقالات مرتبطة

لا ننسى أن مهمتنا في قطف الأحلام تزداد يوما بعد يوم، فكلما كبرنا نضجت أفكارنا، وتعدّدت مطالبنا ومطامحنا، ما يجعلنا نشعر للحظات متكررة، أننا عالقون ومنهزمون أمام الخزانة الممتلئة والأرض تميد من تحتنا، وتهتز صورة الأحلام أمامنا. فقد طال وقت تراكمها وتكدّسها!

إلى متى سنشهد فشلنا في تحقيقها؟ تساؤل وجيه في عزّ الأزمة! في الحقيقة، يبقى التساؤل هو المربك لا الشعور ذاته. لا ريب أنني لا أملك إجاباتٍ قاطعة على هذا الجدل المزمن، لكنني أستطيع أن أقدم بعض التفسيرات تجاه التساؤلات السابقة؛ يبقى الحلم والواقع عملة واحدة بوجهين مختلفين، كلاهما شرس في مواجهته، يكفينا تفكير سليم وتقليب للأمور بطريقة إيجابية، للوصول إلى القرار الحازم والثابت، الذي سيعزز بالتأكيد من موقف أحدهما ويضعف الآخر.

نعيش داخلنا بتدفّقٍ مستمر، ونشهد عدة أفكار ثورية تصول وتجول في رؤوسنا، ولكي نُلبي رغبتنا الفطرية بشكلٍ عقلاني؛ علينا أن نقتربَ قدر المستطاع من واقعنا بأفكارنا هاته. لا نحبذ فكرة أن نكون لقمة سائغة لأوهام زائفة، مما يستدعي ضرورة خلق حصانة ذاتية، بتقوية العقل الفكري، وضمان فعّاليّته تحت سقف أحلام معقولة وإيجابية تستمدّ روحها من واقعها.

بكل حال من الأحوال، ليس الغرض من التفكير في “العالم الافتراضي” سوى خلق جسر تحفيزي، ينقلنا إلى عالم مبني على واقعية التفكير التي تجعل أحلاماً قيد الانتظار ورهن التنفيد أقرب منالا وتحصيلا. عن إجابتنا للعقلاء وللمجانين منهم نقول؛ “نجدها في عالم افتراضي ذي أصل سحري، فيه ضرب من الخيال مبني من جدال.”

1xbet casino siteleri bahis siteleri