اتق شر ضعفك

ونحنُ على متن قطار الحياة، نطلب من سائقه التوقف من أجل تنفس الصعداء بعد ما زار الحُزن قلوبنا وانطفأت الابتسامة التي تضيء ثغرنا. رُغم صفوةِ السماءِ المُتلألئةِ وخُضرة الطبيعة البهية، ومنظرُ الشمسِ البديع في طلوعِه وغُروبه لا يسري عنا همومنا وآلامنا كما كان شأنُه سابقا.

قد يجلِس المرءُ واهنا، وكأن هُموما من همومِ الدنيا يملأ ما بين صدورنا ومالنا إلى أن نلتجأ إلى الخلواتِ متجنبين أن نخالط الجميع ولو كان أعز النٌاس على أنفسنا من كان يستثير سرور قلبنا وبهجتهِ. ذلك لأن فؤادنا قد يكون مُنفطرا، أو خالط الحب قلبنا للولهة الأولى، فينقل المرءُ من حياة البهجةِ والسرور إلى حياة الأكدار والهموم عافانا اللهُ وإياكم.

قد نلتقي في إحدى محطات حياتنا أشخاصا يصبون إلى قلوبنا نوعا من الدهشة والانجذاب غير المنطقي ولا العقلاني، قد يتغير حالك إلى غير حالكَ، قد تشعر بتغيرٍ جذري في جميع حالتك النفسية إذا أحسست بدبيب ذلك الحٌب في قلبك، وربما قد يكون هذا الشعور الأول هو دليلك الوحيد على أن أحببتَ قبل أن تبحث عن ماهيةِ الحب ومعناه الحق والحقيقي.

في بدايتك، لن تفهم من نفسك شيئا سوى أن فؤادك مضطربٌ مستوحش، لا يستطيع أن يأنس بالأهل أنسها الأول، ولا تجد راحةً في مضجعكَ ولا طُمأنينة في خُلوتك، لن تستطيع الاستقرار في مكانك ولو سَحبتك نفسك إلى الجلوس على ضِفاف الأنهار وقِمم الجبال، تنتظر من المحبوب ولو نظرةً تُشفي سقمك.

تصير روحك ضعيفة خائرة لا تملكُ من الصبر شيئا ولو كان هذا حبا فاضلا شريفا، فقد يخرج بالإنسان إلى حالة أشبه بالخبل والجُنون، يحير النفس ويدفعها إلى الضلال.

لا بأس أن نمر بليالي داجيةٍ سوداء نعجز عن أن نأخذ لأنفسنا راحة في مضجعنا، يحبس لسانُنا في فمنا، ثم لا يلبث ذلك السعير المتأجج في صدورنا يستحيل إلى زفير فشهيق فبكاء، نذرف دموع تحرق وجنتينا حتى يهدأ ما بنا، قد نصمت لأيام طوال ولا نقول شيئا، سوى أن نرفع نظرنا إلى السماء سائلين الخالق بنظرة سابحة في هذا الكون العظيم أن يمنح لقلوبنا الهدوء والسكينة، وأن يقينا من عثرات القلبِ وزلاته.

ما ذكرناه سلفا، ما هو إلا مرحلة اكتشاف النفس وثغراتها، ميولها والبحث عن خط الاستقامة الذي يُنجب الإنسان السوي، ما هذه إلا لحظات قليلة تدفع القلب ليصبح بحرًا يعب عبابه وتصطخب أمواجُه، ثم يختفي كل شيء من هواديه، ولا يبق طافيا منه سوى عبرةُ النهايات وقسوة الشعور ترفرف عاليا، ما نصل إليه هو ما نسعى إليه، ولا جدال على أن النفس أضعف من ما نتخيل وأن البحث عن طمأنينتها رحلة يكون الصٌبر عنوانها والعزيمةُ مفتاحها والفرجُ خاتمتها.

عندما نقوم تارة أخرى من ضعفنا ونحن في خُلوة مع النفس وخالقها، نتذكر ما كنا عليه من اضطراب ومرض قلبي لا دواء له سوى اللجوء إلى طريق الحق والاستقامة، فالخفقة الأولى تدفعنا لنكون أفضل نسخة من أنفسنا، بالخروج أولا من طريق الظلام إلى طريق النور.

قد يمر على بعضنا الكثيرُ من الوقت ليستنتج أن الترفٌع عن أهوائنا وأنفسنا هو أطهر محبة لذواتنا ولمن نحب، والمرء العاقل لا ينجذب بجمال الصورة وخفقات القلب ونظرات السحر المختفي بل يقترب عندما يطمئن قلبه، يلين ويميل لطريق الصلاح والفلاح مع من سيتقاسم معه عبء الحياة تحت ستار التقى ومعية الخالق الرحيم الذي يقنن سلامة قلوبنا وأرواحنا الخفيفة، فلا حرج أن أذكر نفسي وأذكركم أن المرء إذا تعجل أمرا قبل أوانه عُقبَ بحرمانه.

لو أن كل امرئ يأخذ حبه الصادق لشخص ما لم يحن الوقت لكي يجتمعا تحت سقف واحد على محمل الجد والمسؤولية، ويهرع لخالقه ليقضي حاجته ويرشده إلى طريق الحق ويدله على سبيل العفاف والتقى ليرزقه من حيث لا يحتسب من رزق واسعٍ مبارك.

على المرء أن يُذكر قلبه أن الصبر مفتاح السعادة، وما هي إلا ينبوعٌ يتفجر من القلب، وإن النفس الراضية البريئة من أدران الرذائل وأقذارها، ومطامع الحياة وشهواتها، سعيدةٌ حيثما حلت وأنَّى وُجدت، في الأُنس وفي الوحشة، فمن أراد السعادة فلا يسأل عنها الآخرين، بل يسأل عنها نفسه التي بين جنبيه، فهي ينبوع سعادته وهنائه إن شاء، ومصدر شقائه وبلائه إن أراد.

1xbet casino siteleri bahis siteleri