الحساسية المفرطة : سيف ذو حدين

1٬637

لا شك أن المشاعر الإنسانية من الأمور الضرورية في حياة كل شخص، ولكن كلما زادت حساسية هذه المشاعر تتحول حياة صاحبها إلى معاناة يومية وحرب طاحنة بينه وبين نفسه، وقد أطلق على الأشخاص الذي يعانون من فرط الحساسية النفسية “الأشخاص ذوو الحساسية المفرطة” أو ” الأشخاص ذوو الحساسية النفسية الزائدة”.

الحساسية النفسية المفرطة: سيفٌ ذو حدين فما هي الحساسة النفسية؟ وبماذا يتميز الأشخاص ذوو الحساسية المفرطة؟ من أجل الغوص أكثر في أعماق الموضوع سنتطرق في هذا المقال إلى الطرق السليمة من أجل التحكم وضبط المشاعر عند أصحاب هذه الشخصية المتميزة التي تشكل 20% من ساكنة العالم حسب إحصائيات علماء النفس.

غالبا ما يوصف الأشخاص ذوو الحساسية النفسية المفرطة، بأنهم أشخاص عاطفيون لأقصى حد، قد يتأثرون بسهولة وقد تُخدش مشاعرهم بسبب كلمة يحسبها الآخر “عادية” وقد لا يكون الأمر مقصودا، ما قد يجرٌهم إلى العيش وسط دوامة الحزنِ والاستياء.

ردود أفعالهم تكون في غالب الأحيان حادة ومبالغا فيها وسرعان ما يُفسرون الكلمة على أكثر مما تحمل من معنى، وتُفسٌَرُ النظرات والحركات وحتى نبرات الصوت بشكل دقيق جدا، فبالنسبة للأشخاص العادين أن هؤلاء يعطون الأشياء صدى لا تستحقه ولكنهم في الأصل يشعرون بتلك التفاصيل وقد تقض من مضاجعهم وتؤرق النوم من أعينهم.

فهذه الشخصية تنطوي على زيادة حساسية الجهاز العصبي المركزي والمعالجة المعرفية الأعمق للمنبهات الجسدية والاجتماعية والعاطفية؛ حيثُ إن الأشخاص ذوو الحساسية النفسية المفرطة، يتذكرون أدق التفاصيل التي قد لا يتذكرها الآخرون من أحداث الماضي التي تبقى عادة محفورة في أذهانهم. بل إن مصادر إزعاجهم عديدة؛ منها الضوضاء، والتجمعات، والأصوات العالية والأضواء التي تخطف أبصارهم مما يدفعهم إلى الإحساس بالتوتر والإزعاج المستمرين.

الأمر لا يتوقف هنا، بل عند انقضاء أي يوم طويل في الجامعة، في العمل أو حتى نزهة مع الأصدقاء، يُتعِبُ الأمر نفسيتهم بشكل كبير، فيحتاجون حينئذ للعزلة في غرفتهم لساعة على الأقل لاسترجاع نشاطهم النفسي؛ لأن السبب بسيط يكمن في ملاحظتهم لكل شيء بدقة عالية، قد ينتبهون للحالة المزاجية المسيطرة على المكان الذي يتواجدون فيه، يلاحظون مدى صدق مشاعر الآخرين تُجاههم، وقد ينبهرون أيضا بغصن الشجرة أو ألوان زهرة قد يراها الآخرون زهرة عادية لا تستحق النظر إليها بإعجاب وانبهار، مما قد يجعلهم يستمتعون أكثر في الطبيعة وفي ل&الأماكن الهادئة.

مقالات مرتبطة

يتمتع أصحاب الحساسية النفسية المفرطة بسمات إيجابية قد تكون نعمة على صاحبها؛ حيث إن هؤلاء يُفكرون تجاه الحياة بطريقة مختلفة عن الآخرين، دائما ما ينظرون للأمور الحياتية بعاطفية ويعيشون بضمير حي، حيثُ إنهم يُجيدون التعرف على الأخطاء وتجنب ارتكابها مرة أخرى، بسبب علو نسبة حدسِهم وتركيزهم المستمر في تفاصيل حياتهم اليومية. يتحلون أيضا بمهارة متميزة في تنفيذ المهمات التي تتطلب قدراً من الدقة واليقظة لأنهم يحللون الأمور بصورة أعمق وأسرع، وهذا ما يُطلق عليه في علم النفس “بالذاكرة الدلالية”.

من المهم أيضا أن نذكر الحالات الاستثنائية التي تتعلق خاصة بالتحلي بالضمير الحي، لكي لا يصل المرء إلى الغرور بسبب هذه الخصلة عليه أن يراجع نفسه في كل مرة وحين، لكي لا يقع في دائرة الكِبر والغرور لقوله تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ}

كيف يمكن للأشخاص ذوي الحساسية المفرطة أن يحققوا توازنا نفسيا؟

أولا: على الشخص أن يتقرب لنفسه وأن يسمع صوته الداخلي وأن يكون على الإحاطة بما يعنيه كونه شخصاً حساسا بدقة بالغة لكي تتناغم هذه السمة مع السمات الأخرى، لكي لا يتأثر بردود فعل مُحيطه الذي يجهلُ غالبا ما يمر به هذا الأخير.

ثانيا: على الشخص الحساس جدا أن يقضي وقتا طويلا مع نفسه لإعادة تشكيل ما مضى من عمره للتصالح مع الحالة التي وُلد بها، لكي يتقبل نفسه يُحسنُ إليها لكي تُبادله نفس الشعور.

ثالثا: جميع الأشخاص الذين يتسمون بفرط الحساسية النفسية يُعانون من جروحٍ غائرة، من ذكريات الطفولة أو فترة المراهقة فما عليهم إلا أن يتصالحوا مع ماضيهم، ويسكبون عليه قطرات النسيان لكي يتجاوزوا تلك الجروح ويجددون روحا تنبض بالأمل لاستقبال أحداث جديدة بعزمٍ وقوة.

وأخيرا، يجب على كل منكم أنتم الأشخاص ذوو الحساسية المفرطة أن تخبروا أنفسكم أن معانتكم ستتوقف، حيث ستذكرون مدى تميزكم واختلافكم عن الآخرين، لأن العلاج الأمثل هو تقبل الذات وحبها على ما هي عليه ليصل الإنسان إلى التوافق والتوازن بينه وبين نفسه.