القانوني والسياسي: أية مفارقة؟

503

يعتبر أفراد المجتمع مواطنون بفعل عضويتهم بالبلد، ومساهمتهم في تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي، في المقابل، تمنحهم وطنيتهم عدة امتيازات كالحق في المشاركة السياسية أو بمعنى آخر المشاركة غير المباشرة في صياغة القوانين التي تسمح لهم بمعرفة حقوقهم وتحديد واجباتهم.

القانون والسياسة مجالين مختلفين، وإن صح التعبير فإنهما مستقيمان متوازيان لكنهما يلتقيان؛ فالقانون (كانون) بمعناه العام وبشقيه العام والخاص (public and private Law) هو مجموعة من القواعد التي تحكم سلوك الأشخاص في المجتمع. أما السياسة التي لا يمكن تعريفها بشكل محدد نظرا لتواجدها في كافة المجالات (الاجتماعية، الاقتصادية، الحياتية…) لكنها بالمعنى العام تعني القيام بما يصلح الفرد والمجتمع والدولة.

إلا أن نقطة التلاقي التي يفرضها منطق كل عاقل هي حضور مصلحة الفرد (المواطن) في غايات كل هذين المجالين، فإذا كانت السياسة تلقب بفن تحويل المستحيل إلى ممكن والقانون بفن العدالة، فعلى هذا التحويل أن يلتزم بالقانون والمبادئ لتسود العدالة، وإلا لا يمكننا التحدث أبدا عن بلد ديمقراطي عادل.

لا يمكن لأحد منا أن ينكر الاهتمام الذي أصبح يعيره أغلب المواطنين اليوم للقانون والسياسة، إذ إن إثبات هاته الحقيقة يتطلب فقط ركوب سيارة أجرة مع سائقها الذي تكاد تعتبره موسوعة قانونية متنقلة عبر الأزقة بسيارة نقل، نظرا لما ستسمعه من مستجدات قانونية وأحداث سياسية دولية ووطنية، أو المرور قرب مقهى رجالي ومشاهدة نقاش جدلي جاد بين الجالسين، عن تحليل كل واحد منهم لخطاب رجل سياسة أو قرار حكومي جديد أو ما تعرفه البلاد من أزمات وانتكاسات تماما كما تشاهد بثا حصريا لمحللين وخبراء سياسيين على شاشة التلفاز.

من المؤكد إذا أن النقاش لم يعد مقتصرا على أعضاء البرلمان أو في المحاكم، بل أضحى المواطن واعيا بالحاجة للإلمام بالقانون والسياسة، وأنهما في القرن الواحد والعشرين جزء لا يتجزأ مما قد يؤثر على حياته اليومية انطلاقا من جهله بالقانون والعواقب المترتبة عنه، وصولا عند النظام السياسي الذي يحكمه. بعد معرفة الفرق بين القانون والسياسة يأتي دور الفاعلين في القطاعين، فما هو وجه الاختلاف بين رجل سياسة ورجل قانون؟!

ليس من الضرورة أن يكون رجل قانون رجل سياسة، ولكن رجل السياسة لا بد له من أن يكون قانونيا وإنسانيا قبل كل شيء، فرجال السياسة عادة هم البرلمانيون، المتحزبون، وكل من يمارس العمل السياسي، أما رجال القانون فهم (المحامون، القضاة، أساتذة القانون الجامعيون…)، وبهذا يكون الفرق بينهما كالأمة والأمة والثرى والثريا، ويبقى القاسم المشترك بينهما كذلك أو بالأحرى ما يجب أن يشترك فيه هو العمل على إحياء الأمل لكل فاقد الحق وضعيف في حلقات المجتمع، وذلك بخلق قوانين وسياسة متجردة تماما من كل مصلحة ذاتية، وذلك لا يتحقق بوضع القوانين فقط وإنما بتطبيقها وبوجود نفس حرة تأبى الجور والقهر. فكما يقول الفقيه والعلامة القانوني عبد الرزاق السنهوري: “ليس مهمتك أن تحفظ القوانين فتلك مهمة الورق، مهمتك العظمى كحقوقي أن تطبق القوانين كما ينبغي”.