الحياة فرص.. فلنستغلّها

إن من يتأمّل في هذه الحياة الدنيا، يدرك جيدا أنها تعتمد على فرص صغيرة جداََ، والتي من الممكن أن تُغيِّر الكثير في سيرورة الحياة، وتُقلب موازينها كليا..في هذه الحياة المليئة بالمفاجآت، يجب على المرء أن يكون على بالٍ دائما وأن يغتنم الفرص التي تتاح له مهما كانت الظروف التي يمرُّ بها والفترة العمرية، فهي لا تعوَّض.
فكما يعلم الجميع، أن عمر الشباب هو العمر المثالي لاغتنام أكثر الفرص وأجودها، لأنه فترة قوة بين ضعفين: ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة، فمرحلة الشباب هي المرحلة العمرية التي تمرّ بسرعة، وهي مرحلة العمل الجاد بامتياز، كما أنه يمكنه في  هذه الفترة الوجيزة أن يحقق عددا كبيرا من الإنجازات والطموحات التي ستأخذه على بساط الريح إلى قمّة المجد والنجاح العظيم الذي يتمنّاه كل شاب وشابة.
فعلى سبيل الفرص التي تمرّ بنا خلال فترات حياتنا، سأسرد لكم قصة بسيطة وقعت لي في سنة 2020 عندما اجتزت مباراة الولوج لسلك الماستر بكلية العلوم القنيطرة، عدة مراتٍ سابقة ولكن لم أتوفّق فيها، لأنني كنت قد انسحبت من الماستر الأول سنة 2017 ولم أتمم الدراسة بسبب ظروفٍ لم أقدر على التوفيق بينها وبين الدراسة.. ففي هذه السنة ابتسم لي الحظ شيئا ما، وصُنِّفتُ في لائحة الانتظار، ولكن بدأ حلمي بالتلاشي نوعا ما وظننت أنّه سينهار حتى في هذه المرة الثالثة على التوالي، لأن تسجيلي مبني على تراجعِ أو تخلُّف طالب آخر من اللائحة الرسمية، ولكنّني بقيتُ متمسكا بحلمي ورغبتي إلى آخر لحظة دون ملل وكلّي ثقة باللّه، رغم التذمّر والحسرة التي تجتاحني كلما تذكّرت أنه لن أكون من فوج الطلاب المقبولين نهائيا، فَلَكُم أن تتصوَّروا ذاك الإحساس..
انتظرت موعد وضع ملف التسجيل بالنسبة للطلبة المسجلين في اللائحة الرسمية، ثم جاء موعد تسجيل الطلبة المسجلين في لائحة الانتظار، كل هذا وأنا في غاية الخوف والهلع.. ففي صباح اليوم الموعود، استيقظت باكرََا وكلّي شوق وإرادة.. كما أشرتُ سابقاََ أن تسجيلي كان رهينا بتراجع أو عدم تسجيل أحدهم، ممّا يعني أن فرصتي قليلة جدََا.. ولحسنِ حظي لم يتم تسجيل جميع الطلبة المسجلين ضمن اللائحة الرسمية وبقيت بعض المقاعد شاغرة، ويا فرحتي عندما تمّ قبولي وتمَّت عملية التسجيل النهائي بشكل رسمي، فالحمد لله والشكر لله على نعمه، وهنا بدأت حكاية وحياة جديدة في مسيرتي الدراسية الأكاديمية، متيقنََا أنه لكي أنجح وأتوفّق في هذه المرحلة، لا بدّ من بذل المجهود والعمل إلى غاية الحصول على الشهادة التي كانت حلماً بالنسبة لي منذ أن وطِأت قدماي الجامعة، وفعلا هذا ما وقع، وبينما يختار الغالبية الطريق السهل، سلكت ذلك الطريق الطويل والصعب، طريق المعرفة والعلم، والذي قال فيه رسول الله ﷺ: “من سلك طريقا يلتمس فيه علماً سهّل اللَّهُ له طريقاً إلى الجنة”، وأنا ممتن لهذه الفرصة التي أتيحت لي بفضل الله تعالى. فكلُّ هذا ليس بجهدي واجتهادي فقط، بل بتوفيق وفضل اللَّه تعالى عليَ، وكذا النيّة وإرضاء الوالدين وفعل الخير.. كلّ هاته الأمور كانت مفتاحاً من مفاتيح النجاح، وسراََ من أسرار تألُّقي، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
مقالات مرتبطة
هنا أدركت أن حياتنا تعتمد على أصغر الفرص وأبسطها، والتي يجب على الإنسان أن يغتنمها في الوقت المناسب، وكيف يمكن لفرصة صغيرة أن تُغيّر حياتنا وتَفتح لنا أبواباََ أخرى للمضي قدما في تحقيق أحلامنا التي نتمنّاها ونسعى إليها بكل ما أوتينا من قوة وعلم، مع التركيز على الجدّ والاجتهاد والأخذ بالأسباب، بالموازاة مع ذلك لا بد من الاعتماد والتوكل على الله تعالى لكي يوفقنا في تحقيق كل أمانينا.. ومن توكل على الله، بعد قيامهِ بالأسباب، فهو حسبه.
إن ما أريد أن أذكِّر به في هاته النقطة، أن ما كتبه اللَّهُ لنا سنحصل عليه، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا فَقَالَ: «يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ» رواه الترمذي.
ففي هذه الحياة، هناك دائماً المزيد من الفرص لتصحيح وصياغة مسار حياتنا بالطريقة أو بالطرق التي نستحقُّ أن نعيش بها ونتمنّاها. فلا يجب على المرء أن يبدِّد وقته ويلعن الفشل طول فترات حياته، فالفشل أو الخطأ يعتبران الدرجة الأولى والأساسية من سُلَّمِ النجاح، فهناك فرص لا تتكرّر في حياتنا.. يجب علينا استثمارها، فلا تنتظر أن يأتي الوقت المناسب، فلن يأتي أبدا، بل كلّما ازدادت رغبتك في التغيير نحو الأفضل، كلما منحتك الحياة فرص كثيرة، كما يقول تشي جيفارا “الحياة لا تمنحُ الفرص إلا للراغبين”. كل هذا دون أن ننسى أن الزمن الحاضر هو الأثمن في صناعة الفرص، فلا يقلقنا مستقبل ولا يحزننا ماضِ، فالحاضر هو السبيل الوحيد للخروج من عقدة انتظار الفرص إلى صناعتها.
إضافة إلى كلّ ما سبق، الأهم هو ذاتك التي ترافقك طوال العمر والاستثمار فيها، فالتعلم المستمر وتطوير الذات هو أهم الفرص في الحياة كلها، وأساس صناعة هذه الفرص هو الاستثمار في الذات والعمل عليها، وذلك من خلال تنمية المهارات والأفكار وزيادة الخبرات عن طريق الدراسة الأكاديمية، والعمل في التخصص ذاته، ومن ثم الانفتاح والتطوع في عدّة مجالات من دون أجر أو عمل مبادرة صغيرة أو تأسيس مشروع ناشئ.. كل ذلك لكسب الخبرة وتوسيع دائرة العلاقات مع مختلف الأشخاص، ومع كل هذا لا بدَّ التأكد من موافقة تخصصك لميولك وقدراتك وموهبتك، ومقياس تلك الموافقة هو العطاء والمساعدة بلا حدود أو شروط معينة و محددة، حينها ستجد وبشكل تلقائي أن الحياة التي تعيش فيها قد زادت في الفرص من حولك، بل ستجد أنّ الفرص هي التي تبحث عنك، إذن فالفرص حولنا في الحياة تزيد وتتجدد مع كل طَرْقٍ وسعي وبذل للمجهود ومع كل عطاء وتطوير للذات، وتقلُّ وتتبدّد كلما انكمشنا وانعزلنا بأنفسنا وعشنا من أجل ذواتنا.
فما دمنا في هذه الحياة أحياء، فلنؤمن بأننا سنجد الطريق يوما ما إلى ذواتنا وأحلامنا البسيطة منها والعظيمة، دون أن ننسى الأخذ بالأسباب مع الصبر والثبات والاستمرارية، كما تقول المقولة الشهيرة: “من جدَّ وجد، ومن زرع حصد”.
1xbet casino siteleri bahis siteleri