لولا الفشل.. ما ذُقنا طعْمَ النّجاح

إنّ ما نأمل أن ننجزه ونحقّقه طيلة حياتنا، سواءََ تعلّق الأمر بالعبادات الدينية لنيل رضا الله والجنة، أو الأمور الدنيوية لعيش حياة طيّبة منذ ولادتنا إلى حين الوفاة، ليس بالأمر الهيّن ولا اليسير، ولا يمكن تحقيقه من المحاولة الأولى، بل يحتاج إلى الإصرار والاستمرار في المحاولة دون توقف حتى تحقيق الهدف المنشود وذلك ببذل قصارى المجهود والعمل بكل ما أوتينا من قوّة وذكاء.. فرغبة الإنسان في التملك وإنجاز كل الطموحات والأماني، لا تحدُّهَا أيَّة عراقيل ولا عقبات كيفما كانت صعوباتها، ما دامت المبادرة والرغبة نابعة من داخل الإنسان وواثق بها.. يقول الحق سبحانه وتعالى: {‏وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إلاَّ مَا سَعَى‏}‏ ‏[‏سورة النجم‏:‏ آية 39‏].

فالطموح الذي ينبثق من داخل الإنسان، هو قوة لا يستهان بها لأنها تُخلق في داخله، فلا شيء يمكن اعتباره مستحيلاََ في حياة الفرد، ما دمنا نملك مفاتيح النجاح وأسرار التألق والتي هي العزيمة والإرادة، فكثيرة هي المواقف التي كُتبَ لها الضّعف والفشل الذريع بسبب افتقارها أو عدم توفرها من الأساس على أهم مُقوّمات النجاح.. فبالعزيمة والإرادة وحسن التخطيط تتولّد أهم المكونات مثل الصبر والثبات على الهدف والاستمرارية رغم العراقيل التي قد تواجه الإنسان، والتي تؤثر تأثيرََا إيجابيََا على إنتاجية المرء، فكما نعلم أن الجميع يريد أن ينجح في هذه الحياة ويحقق انتصارات عظيمة في مختلف مجالاتها، ولكن القلّة القليلة هم الذين يُكتب لهم النجاح الأوفر بعد توفيق الله عز وجّل، وهم أصحاب الإرادة الجازمة والعزيمة الصادقة..

على قدرِ أهلِ العزمِ تأتي العزائمُ.

المتنبي.

فصاحب الهمة والإرادة القوية هو من يصل في النهاية، لأنه آمن بقدراته وكله ثقة بنفسه.. يقول الكاتب فيكتور فرانكل «ليس ما يحتاجه الإنسان في حياته هو حالة الطمأنينة فقط، ولكنه يحتاج إلى السعى والاجتهاد في سبيل هدف يستحق أن يعيش من أجله.»

فيا صديقي العزيز، إذا كنت تنتظر الوقت المناسب والفرصة لكي تصبح جاهزاً لتحقيق أهدافك، كن متيقنََا أنّك ستنتظر بقية حياتك دون أن تقوم بأي شيء.. لأن الحياة لا تعطي بدون مقابل، وكلما أطلت الانتظار فقدتَ الفرص العظيمة والثمينة التي قد لا تعود، فلن تكون جاهزاً أبداً ولا بد لك أن تبدأ من الآن، حيث أنت، وتتحرّر من قيود نفسك وأهوائها. إنّنا في هذه الحياة المليئة بالاضطرابات وبعض الفوضى والتشتت لن تكون مثالية كما تتمنى.. نصيحتي لك، ابدأ الآن لتجديد وتغيير نمط عيشك، ولا تنتظر.

فمهما عصفت بك الحياة والظروف الصعبة لا تفكّر كيف ستنجو منها.. بل فكّر في أن الله تعالى أرحم بعباده وبيده الخير كله..
فالنجاح في هذه الحياة ليس بالأمر الهيّن ولا اليسير، فكل الذين نجحوا في هاته الأخيرة كانوا متيقنين أن النجاح مثل المباني العظيمة والشامخة، وإن كانت سهلة في التخطيط، فهي تُبنى لَبِنةََ لَبِنة.. والأهم أنّ اللّبنة الأولى والأساسية يجب أن تكون صحيحة ومتينة، فكذلك النجاح الأوفر والعظيم، ما هو إلاّ تراكم عِدّة نجاحات صغيرة وعديدة، فالأشياء الصغيرة مهما كان حجمها، تجعل الأمور الكبيرة تحدث إن داومنا عليها. لذا، يجب أن تُؤمن أنّ الشيء العظيم والضخم الذي تتمنّاه غداََ، ما هو إلا نتيجة العمل الصغير الذي ستقوم به اليوم.. وكل يوم… مع التحلي بالصبر الجميل..

وفي حياتك، وأنت تسعى لتحقيق أحلامك وأهدافك التي تتمناها منذ نعومة أظافرك، ستسقط وتفشل، ستتعثر وتسقط من جديد، ثم تحاول مرة تلو الأخرى، لكي تكمل مسيرتك، ستعاني الحزن واليأس، وستخذل من أقرب الناس إليك، وستتكبد عناء الطريق لوحدك يا صديقي.. ولكن لا تخف سيأتي اليوم الذي تتغلّب فيه على جميع مخاوفك سواءً كانت مرض أو امتحان أو غير ذلك وتحقق جميع أحلامك، سيأتي اليوم الذي تبكي به فرحًا، لا تخف فالله لا يضيع أجر عبدٍ صبر كثيرًا وعمل كثيراً. فمن الأشياء التي يخبرونَنَا بها الناس أن من سارَ على الدَّربِ وصل، لكن لا أحد يخبركَ كيف وصلت، وما هي المراحل والعقبات التي مررت منها، وأنه من سار على الدَّربِ تعثّر، سقط وحاول أن ينهض، لِيكملَ مسيرته وسقط من جديد مرات عديدة، وكم من اليأس والأحزان عانيت منها، وكم من مرة خُذِلت وكابدت..

إن طريق العلم والاجتهاد مليء بكل أنواع الفتن والعراقيل ومن أهمها: النفس الأمارة بالسوء والهوى، وأعداء النجاح من الحاسدين والحاقدين فكلها من الغاويين الذين يدعون إلى الفشل والإخفاق، فاحذرهم، ولا تلتفت لهم، وركّز على أهدافك النبيلة التي رسمتها في مخيلتك، ولازِم مصاحبة المتفوقين الناجحين في المجال الذي تسعى إليه، وخذ من أفكارهم وإنجازاتهم ما يفيدك للتغلّب على إخفاقك، ولا تنس أنّ الاخفاق ما هو إلا خطوة من خطوات النجاح العظيم الذي يتمناه الجميع، ولكن لا يحصل عليه إلا من كان ذو إرادة قوية وهِمَّة عالية كما أشرت إليه سابقا.

وكما يقول الجميع، لكل مجتهد نصيب. أي أنّ النجاح يناله من يسعى إليه بالاجتهاد والمثابرة والتوكل على الله، لا بالكسل والأماني الكاذبة، فالكسل والعجز داء خطير يؤدي إلى الفشل الذريع وإهمال الواجبات وإنجازه، ممَّا يمنع الإنسان من مواصلة سعيه نحو النجاح، وتحقيق الاهداف المرجوة.. فرسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من العجز والكسل بالدعاء، يقول: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ) رواه الترمذي.

فالعاجز من اتبع نفسه وهواها، وتمنى من الله تحقيق الأماني بدون اجتهاد ولا عمل، وحتى إنِ اجتهد وثابر، ينسى دور ذكر الله والتوكل عليه سبحانه وتعالى في كل صغيرة وكبيرة من أمور الدنيا والآخرة، يقول سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]، فكل من فوّض أمره لله، وعمل بالأسباب فسيكفيه ويحقق له مبتغاه..

إضافة لما سبق، فلتكن على يقين تامّ بأنّ الطريق الذي سلكته سابقا أو الذي ستسلكه حاضرََا أو مستقبلاََ، هو طريقك وَحْدَك، فأنت من يُعَبّدهُ كما تشاء بقدرة القدير جلّ في علاه، قد يُرافقك فيه أحدهم لفترة من الوقت سواءََ كانت مدة قصيرة أو طويلة، فلا تنتظر أحدا مِمّن حولكَ أن يكمله معك، فالنهاية التي ستسعدك وتفرحك، ستكون بداياتها قاسية ومُرّهقة على نفسك، لكن تأكد أنه بحجم إصرارك وعملك ستفرح بانتصارك.. فمن جدَّ وجدَ، ومن سهر الليالي بلغ المعالي.

يقول أمير الشعراء، أحمد شوقي:

وَما نَيلُ المَطالِبِ بِالتَمَنّي       ***  وَلَكِن تُؤخَذُ الدُنيا غِلابا
وَما اِستَعصى عَلى قَومٍ مَنالٌ  ***  إِذا الإِقدامُ كانَ لَهُم رِكابا.

فإذا أردت النصيب والنجاح الأوفر فاجتهد وثابر، فإن لكل مجتهد نصيب كما يعرف الجميع. فاللهم إنا نسألك أن ترزقنا الاجتهاد والسداد في القول والعمل وأن تسدد خطانا وتحقق رجائنا وتجعلنا من الفائزين في الدنيا والآخرة ياللَّهُ..

1xbet casino siteleri bahis siteleri