التراث الثقافي والتنمية: أية مضامين؟ وبأي قيم؟

يعتبر المغرب بلدا ثقافيا بامتياز، حيث تحضر فيه الثقافة بما هي “ذلك الدينامي المعقد الذي يشتمل على المعارف والفنون والمعتقدات والقوانين والأخلاق والتقاليد والفلسفة والأديان والعادات التي اكتسبها الإنسان من مجتمعه بوصفه عضوا فيه.”¹ حضورا قويا.

يتجلى هذا التراث الثقافي في الكم الكبير من العادات والموروثات الثقافية الشعبية سواء المادية أو غير المادية المتوارثة في هذا المجال، وهو ما نعبر عنه إجمالا بالتراث الثقافي، الذي يشير في حمولته السوسيولوجية إلى “الموروث المادي والرمزي المشترك الذي يتوارثه أفراد الجماعة، وأجيالها خلفا عن سلف. وهو يمثل تركة الآباء والأجداد إلى الأبناء والأحفاد، من آثار مكتوبة وشفهية، ومن معالم حضارية، ومعارف عالمة وشعبية، ومخلفات وثروات رمزية ومادية وأنساق معيارية ومتون وسجلات جمالية. والتراث مركوز في الوجدان المشترك للأفراد، ومقيم في وعيهم الجمعي […] وهذا يعني أن التراث بوصفه التركة المادية والرمزية المشتركة، هو العنوان المحدد لهوية الجماعة، كما أنه مقوم بقائها واستمراريتها وعلامة تميزها.”²

بصفة عامة تكثر تعريفات التراث بتعدد المدارس والمناهج التي نحاول من خلالها دراسة هذا التراث، ولكن من الناحية الإجرائية يقسم الدراسون التراث بشكل عام إلى قسمين: تراث ثقافي مادي، وتراث ثقافي لا مادي. وهذا التقسيم هو ما سنقف عنده، ونحاول من خلاله الإجابة على السؤال المركزي لهذه المقالة.

تزايد الاهتمام بالتراث الثقافي، منذ منتصف القرن الماضي، بشكل مطرد. وتتابعت بالتالي عمليات التثمين والمحافظة والاستثمار.. هكذا في مقابل هذا التراث الثقافي الغني، حضر سؤال راهني وملح، هو سؤال التنمية بالمغرب، والعلاقة الممكنة بين هذين العنصرين.

حديثنا هنا عن التنمية، نقتصر فيه بالذكر على التنمية المحلية، باعتبارها “عملية دينامية تستهدف مكونات المجتمع المحلي. وتتضمن سلسلة من التغيرات البنائية الوظيفية قصد إحداث تفاعلات على مستوى البناء الاجتماعي والاقتصادي، من أجل تحسين مستوى الأفراد وإخراجهم من عزلتهم ليشاركوا إيجابيا في تنمية مجتمعهم المحلي بصفة خاصة والقومي بصفة عامة بهدف الوصول إلى تغيير شامل غايته التقدم ووسيلته التنمية من أجل الإنسان، بتسطير برامج تنموية محلية يساهم فيها الشعب مع الحكومة والمؤسسات المحلية في إنجازها بالاعتماد على الإمكانيات المحلية المتاحة المادية والبشرية والفنية الملائمة لطبيعة وظروف المجتمع المحلي وخصوصياته التاريخية والثقافية.”³ وإذا كانت التنمية المحلية، كما سبق القول، عملية شاملة، تقوم على استثمار نقط القوة التي يتميز بها المجال، فإن أهم عنصر ينبغي الالتفات إليه عند التناول العلمي لمسألة التنمية المحلية، يتمثل في التراث، باعتبار حضوره القوي في هذا المجال.

مقالات مرتبطة

لقد أصبح للتراث شأن اقتصادي مهم، إذ انتقل من وضعه الثانوي في المشاريع التنموية، إلى اعتباره صناعة مستقلة تندرج ضمن ما يسمى بالصناعات الثقافية، تحتدم حولها منافسة الدول الكبرى، فهي صناعة تفتح الآفاق أمام التوسع الناعم للدول. وبالإضافة لكونها تخدم ولا شك الأهداف الاقتصادية والاجتماعية فإنها تمثل جانبا من حماية الخصوصية الهوياتية للمجال. ولذلك فإنه من اللزوم السوسيولوجي الالتفات إلى هذا التراث الثقافي لا فقط كمعطى اقتصادي مجرد، ولكن كثروة تطرح كثيرا من التساؤلات حيال نجاعة استثمارها وحسن تدبيرها من أجل التنمية.

يعتبر سؤال المضامين القيمية التي يحملها الموروث الثقافي، أحد أكثر الأسئلة أهمية قبل تثمين هذا التراث واستثماره. حيث إن العقلية الاستثمارية للتراث المجردة عن المضمون القيمي، والذوق الإنساني، لن تصنع شيئا غير مزيد من تمييع المشهد الثقافي، وتعميق الهوة بينه وبين الحاجيات الحقيقية للمجتمع.

فمن حيث إن المجتمعات بحاجة للتنمية، فهي بحاجة كذلك للقيم، وأي فصل بين هذين الاثنين لن يصنع إلا نماذج مشوهة تحمل من التراث الاسم والرسم، لكن بمضامين أولى أن تبعد لا أن تتبنى.

هكذا فإننا بالحاجة إلى مساءلة الموروث الثقافي، وعرضه أمام التحديات المطروحة أمام المجتمعات، واختبار مدى استجابته للتحديات المطروحة أمام هذه الأخيرة قبل أي تثمين او استثمار.

———————-
1- تايلور إدوارد، الثقافة البدائية: بحث في تطوير الميثولوجيا والفلسفة والدين والفن، لندن، جون موراي، المجلد1، ص1.
2- سبيلا محمد والهرموزي نوح، موسوعة المفاهيم الأساسية في العلوم الإنسانية والفلسفة، المركز العلمي العربي للأبحاث والدراسات الإنسانية، الطبعة الأولى، 2017، ص126.
3- رضاونية رابح، معوقات التنمية المحلية، قسنطينة، 1999،ص.19.

1xbet casino siteleri bahis siteleri