سيمفونية من المشاعر

منذ أن وطأت قدماي أرضكِ، وأنا أصارع ذاتي، التي يغمرُها سديم من الحزن من شدة الاشتياق إليكِ، حملتني قدماي إلى نفس المكان الذي اعتدنا أن نلتقي فيه، لم أجدكِ عندما عدتُ، إنما وجدتُ مكانكِ ولم يكلّمني، بل إنه لم يبتسم لي كما اعتاد أن يبتسم لي في الأيام الخوالي التي كان العالم كله يبتسم لي. كل حرف من كلامكِ القديم أشعر به قد خسَّس في حقي، قلبي ذبُلَ وتلهَّـف حزنا على ما فات، مهيض، ضعيف، عاجز عن مواجهتكِ، اعتبرني السُّوْقة على أنني بُله، ومجنون من شدة الارتماض الذي أعيش فيه، كل الأشياء صارت غريبة عني، ماذا بي أفعل وأنا لم أراكِ منذ بُرهة طويلة، كلما تمر فترة عن غيابكِ، أجد نفسي لا أظفر بأدنى إجابة، وكلما انبلج الصباح تراءت لي صورتكِ الضبابية من نافذة الغرفة، عاجزا عن نسيانكِ، حتى ابتسامتي النادرة تغادر عندما أتذكركِ، وأنا الذي لطالما أقول: إذا لم تستطع أن تضحك فابكي وانت مبتسما.

حقا تبعثرت مشاعري، أسلبت عيوني، مَذْعورًا من شدة الخوف، أصبحتُ رجلا ذي خَلَّةٍ، مُحتاج للودّ واعْتِناء؛ أعني ما هو معنوي وليس مادي، مُعْوَز بصيص من الأمل؛ وإن كنت أعلم يقينا أنه أملٌ يحملُ في طياتِه وهما مزيفا، إلاّ أننا نحتفظ دائمًا بشيء منه خفية عنا بتعبير إميل سيوران في كتابه «المياه كلها بلون الغرق»، لذلك دعوني أصرِّح لكم أنَّ جسدي هذا أصبح يسكنُه وحشٌ عظيم من شدة غضبي، أشبه بحارس ثائر يتحكم في كما يشاء، تناثرتْ عواطفي، ولم أعد أحس أن لي جسدا، وجودي كعدمه.

مقالات مرتبطة

أصبحت كضيف زائرٍ يتأمل ويتحدث للفراغ، إذا قمت بالمواجهة ذائدا عن حرمتي، سأصبح أمامه مثل صبي صغير لا يفقه شيئا، بالتأكيد…فهو ما زال عقله عبارة عن صفحة بيضاء، وكذلك أنا…فكما يقول لاوتسو: من يتطاول على أطراف أصابعه لا يقف طويلا، ومن يوسع خطاه لا يمشي بعيدا، ومن يظهر نفسه لا يبدو للعيان، وبالتالي عليَّ أن أواجههُ بحكمة ودهاء، عازما ومؤمنا بمبدأ واحد، هو أن المقاتل الشجاع لا يظهر عنفا، فكما يقول لاوتسو في هذا السياق، الشجاعة مع التهور تقود إلى الموت، هذا شيء مريب نوعا ما، لكن لا أخفي عليكم سراً، لا يمكنني أن أحب نفسي أو أي شيء أعرف أنه جزء لا يتجزأ من ذاتي، دون مواجهته.

في هذا الوجود من البديهيات القول إن ذلك الشخص يتمتّعُ بصَفَاء القلب، وخلوه من الحقد والكره، ومُفعم باﻷﺧﻼﻗﻴّﺎت اﻟﻄﺒﻴّﺔ، لن تجد فيه ذرة من الضغينة مهما كانت الظروف، ومهما كانت الصِّعاب، لكن بمجرد أن يسقط في أمر يقيس له مقدّساتِه الشّخصية، يتحّولُ في لحظة فُجائية إلى شخص عابس الوجه، وبرميل تنبثق منه ألفاظ، تعتبر من المَحْظُورات في اللغة الطبيعية، مُدافعاً عن عِزَّته. وهذا دليل على أننا كائنات مهما كُنّا مُشْبَعين باللُّطف والوِجْد والقيم الانسانية العليا، فلا نستطيع مُقاومة المرقدِ الشَّريف الذي يوجد في نهر داخلنا. وإذا كان هيراقليطس اليوناني يعتبر: أننا لا نستطيع أن نَسْبَحَ في النهر مرتين لأن مياهه جارية، فأنا أقول لكم بناءً على كلامه: لا يمكن أن تسبحوا في نهري مرة واحدة، لأن مشاعري تتغير، وجرح المشاعر من التصرفات السيئة مؤلمٌ ومؤثِّرٌ جداً.

1xbet casino siteleri bahis siteleri