عن جبر الخواطر أتحدث

من منا لم يمر بمرحلة كُسر فيها خاطره أيما كسر؟ لحظات نذوق فيها من الألم النفسي جرعة لا يستطيع الحلق استساغتها إلا بشق الأنفس، بغض النظر عن السبب والوضعية التي يعيشها كل شخص، فقدراتنا على التحمل تختلف في ذلك، كل حسب إيمانه وصبره على الابتلاء.

في تلك اللحظات بالضبط، لا نحتاج إلى تغيير العالم أو إيقاف الزمن، كل ما نرجوه هو بلسمُ كلمات نقية خفيفة تُصَغِّر في أعيننا الوضع الذي نحسبه وحشا. فعندما نتحدث الإنسانية فجبر الخواطر أحد خصالها التي تسمو بالشخص في إنسانيته، أن تحتضن شخصا في أشد لحظاته حرجا وحزنا، أن ترسم على شفتيه بسمة مختلطة بدموع اللحظة، إنها والله لغاية في النبل والسخاء؛ فأن تكون سخيا ليس بالضرورة أن تعطي من مالك دون بخل، السخاء أيضا أن تمنح بضع سويعات من وقتك تكون فيها أذنا صاغية لمن أنهكه التعب ونخر الحزن عظامه.

مقالات مرتبطة

أما عن الإسلام؛ فهذا الدين الحنيف يحث على ما هو فيه نفع لبني آدم، إذ نستطيع أن نلاحظ عدة مواطن يكون فيها جبر الخواطر هو العنوان، وأستطيع أن أذكر في هذا السياق جملة من الأمثلة التي تجسد موضوعنا في أبهى حلله.

أولها التي يُغبط عليها الصاحب والرفيق أبو بكر الصديق وهو مع الحبيب المصطفى ﷺ في الغار وهو يقول له: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ } [التوبة: 40] وكما ذكر الكاتب أدهم الشرقاوي في رواية ثاني اثنين إنها والله أجمل ما قال صديق لصديقه في تاريخ البشرية. ولأزيد للشعر بيتا، روي أن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يتفقد رعيته ليلا ويقضي بعض حوائجهم، فإذا به يمر بامرأة ومعها صبيان وقدر منصوب على النار فناداهم “يا أهل الضوء” ولم يقل “يا أهل النار” وهو بذلك رضي الله عنه يعلمنا أن الخاطر الذي لا نعرف كيف نجبره لا نكسره. ونستطيع أيضا أن نرى عناية الخالق سبحانه وتعالى بخاطر نبيه محمد ﷺ في مواطن كثيرة، كنزول سورة يوسف في عام فقد فيه زوجته وعمه، وقد كانت السورة بمثابة تثبيت ومواساة له ﷺ في الشدة، وتبشيره أن الفرج آت. وأمثلة أخرى تجسد عظمة الإسلام واهتمامه بخاطر الإنسان كقوله تعالى في سورة الضحى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: 5].

إن جبر خاطر صديق أو أخ أو عابر سبيل عبادة عظيمة، وقد يكون الشخص الذي يمارس هذه العادة بكثرة أشد الخواطر انكسارا، ولكن حسبه أن الله عز وجل مطلع عليه وعلى تلك الخصلة الحميدة التي يتصف بها، فجرح الجسد لا يقل ألما عن جرح الخاطر، غير أن الجرح مهدد بعدم الالتئام، كما قال سفيان الثوري: “ما رأيت عبادة أجل وأعظم من جبر الخواطر” ويبقى الجبر الأعظم هو الذي يأتي من الله سبحانه وتعالى بعد الصبر الجميل على الابتلاء. وأفضل شيء أختم به مقالي هذا هو دعاء النبي ﷺ: «اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني واهدني وعافني وارزقني.»

1xbet casino siteleri bahis siteleri