شماعة الفشل

العين، والسحر، والدولة، والامتحان، والمجتمع، والآخر، والجيران والأستاذ… هذه الكلمات المتقاطعة التي لا يجمع فيما بينها أي شيء لا الحقل الدلالي، ولا الحقل المعجمي، يجمع فيما بينها الناس ليصنعوا منها شماعة. نعم لكي يصنعوا منها شماعة لا تصلح لتعليق الملابس، بل تصلح لتعليق كل تجليات فشلهم.

لا أحد منا يتحمل نتيجة ما يقع له، لا أحد منا يقر أننا نتيجة لكل فعل نقوم به صغيرا كان أو كبيرا. عندما يفشل أحدنا تجده يسرع ويهرول لكي يجد شخصاً آخر يرمي عليه بفشله؛ لا يقول الطالب لم أنجح لأنني لم أدرس جيداً بل يقول لم أنجح لأن أسئلة الامتحان يستحيل الإجابة عنها وأن الاستاذ يريد الانتقام.

مقالات مرتبطة

عندما يقع الطفل الصغير، لا تقول الأم لابنها أن وقوعه كان بسبب جريه السريع، بل تقول له إن الأرض هي السبب في وقوعه، حتى أنها تقوم بتوبيخها موهمة الطفل أنها انتقمت له من الأرض. عندما يفشل أحد في عمله لا يقول إنه إنسان متماطل بل يقول إن المدير يكرهه ويختلق له المشاكل. لا الزوج الجائر يعترف بجوره ولا الزوجة تعترف بكبريائها المبالغ فيه، فقط ما يتقنونه هو تقاذف كرة اللوم ومحاولة كل منهما تسديدها في شباك الطرف الآخر.

لو أنك تبادلت أطراف الحديث مع ذلك الجار الذي يقضي معظم وقته على قارعة الطريق، يراقب الناس في ذهابهم وإيابهم، لأخبرك أن كل الناس يحسدونه، وسيخبرك كذلك أنه لو لم تلحق به العين والسحر لكان أحد رواد الفضاء. ناهيك عن ذلك الذي يرمي بأزباله وسط الشارع وهو يردد أن مجلس البلدية لا يقوم بمهامه على أكمل وجه. وهناك شريحة أخرى تختبئ من فشلها وراء كلمة الزهد، فتدعي أنا زاهدة في هذه الدنيا وهي في الأصل لا تمتلك شيئا من دنياها، ولا تعلم أن ما هي عليه الآن ما هو إلا فشل طحن إرادتها وعزيمتها في السعي نحو النجاح. أما أولئك الذين يحملون الدولة كامل مسؤولية فشلهم، فتجده يردد صباح مساء أن الدولة لم تفعل كذا وكذا، وأنها المسؤولة عن كل ما يقع من فوضى في البلاد.

ألا يعلمون أن تلك الفوضى التي نعيشها ما هي إلا تراكم للفوضى الفردية التي يخلقها كل فرد؟ وهكذا يزيفون حقيقه عدم قدرتهم في خلق محيط منظم. فالنظام العام لا يتحقق إلا إذا نجح الفرد في تنظيم نفسه أولا. ليس العيب في أن نفشل، فالإنسان يتعلم من أخطائه ومحاولاته وإن باءت بالفشل، أن نخسر حربا فهو أمر عادي ومألوف. العيب في أن نهزم من الداخل، العيب والفشل الحقيقي هو أن تموت فينا إرادة النجاح. مشكلتنا هو أننا عندما نفشل، لا نقبل بذلك، ولا نحاول تقليب أوراقنا حتى نتمكن من معرفه الخلل. كل ما نفعله هو أننا نغمض أعيننا تاركين أنفسنا تتخبط وسط أمواج الفشل العاتية.
في الأخير، يجب على كل إنسان أن يعلم أن الأشياء لا تعرف إلا بأضدادها ولولا الفشل لما تذوقنا لذة النجاح.

1xbet casino siteleri bahis siteleri