حتى لا يفسد الود بيننا

790

سمعت أصواتهما تعلو في السماء، استدرت لشدة هلعي أبحث عن مصدر تلك الأصوات، فإذا بهما رجلان يتشاجران. بدت وجوههما كفوهة بركان تلقي بحمم غضبها دون أن تبالي بما حولها، كانت أجسادهما تندفع تجاه بعضها البعض كما ينجذب قطبا المغناطيس، وكادت أيديهما تتشابك لولا تدخل بعض المارة، لينصرفا إلى حال سبيلهما بعد أن اقتنع كل واحد منهما أن الآخر نال من السب والشتم ما يستحقه.

كثيرا ما نصادف في حياتنا اليومية مثل هذه المواقف، وإن لم يكن بالضرورة في الأماكن العمومية، إنما أيضا في وسط بيوتنا وفي مقرات عملنا، بل وقد تجد نفسك أحيانا بطل المشهد، أي طرفا مهما في النزاع أو الخلاف. مما لا شك فيه أنه إذا اجتمع اثنان فإن الاختلاف وارد بينهما، غير أن العيب لا يكمن في الاختلاف، فلولاه لما كان لهذا الكون معنى، إنما العيب في أن يتحول الاختلاف إلى خلاف.

إن اعتقادنا على أننا دائما على صواب وأن الآخر على خطأ هو ما يؤدي بنا إلى الاختلاف، وإن سوء تدبيرنا للاختلاف وإصرارنا على إثبات خطأ الآخر هو ما يقودنا إلى خلافات لا نهاية لها، والحقيقة هي أن اعتقادنا هذا على أننا دائما على صواب هو الخطأ بعينه. فما أراه خطأ يراه الآخر من منظوره صوابا، والعكس صحيح. وبالتالي فان مفهوم الخطأ والصواب غير مطلق.

إلى حد ما، نحن مدركون لهذه الحقيقة، غير أننا بسبب أنانيتنا نأبى أن نقر بذلك ولو حتى لأنفسنا. يجب إذن أن نعترف أننا كائنات تقودها الأنا ولا تملك القدرة على الاعتراف بأخطائها وعيوبها. اعتدنا أن نلقي بمشاكلنا على أكتاف الآخرين ونحملهم مسؤولية أخطائنا. تعلمنا كل شيء ونسينا أن نتعلم كيف نتعايش مع اختلافنا عن بعضنا ونحترم اختلاف آرائنا واعتبرنا الحوار مع الآخر حلبة صراع نخرج منها منتصرين أو منهزمين.

هل جربنا أن نسأل أنفسنا يوما، ماذا لو أن أخطاءنا هي التي ترينا سلوكيات غيرنا خطأ وأننا ربما نحتاج أن نصلح عيوبنا وأخطاءنا قبل أن نشرع في انتقاد الآخرين والحكم عليهم، ماذا لو أننا حاولنا أن ننصت للآخر وننظر للأمر من زاوية نظره فربما نستطيع أن نلتمس له العذر أو ربما نكتشف أن رأيه أقرب إلى الصواب مما كنا نعتقد، ماذا لو توقفنا في نقاشاتنا عن السعي إلى النيل من الآخر ونحاول بدل ذلك أن نجعلها أرضية للوصول إلى الحقيقة وإلى رأي وسط.

روي عن الإمام الشافعي أنه ذات مرة اختلف وتلميذه يونس الصدفي على مسألة، فقال له الشافعي: “أما يستقيم يا أبا موسى أن نكون إخوانا وإن اختلفنا على مسألة؟” لعل الحكمة التي يمكن أن نستنبطها من الموقف النبيل للإمام الشافعي هي أن حرصنا على الحفاظ على القيم والمحبة بيننا أسمى بكثير من الفوز في أي نقاش، فأحيانا كسب القلوب أولى من كسب المواقف.

ألا يسعنا إذا إن اختلفنا على أمر أن نتشبث بقيم التسامح وأن نحافظ على الود بيننا؟ ألا يسعنا أن نكون أكثر مرونة تجاه اختلافنا مع بعضنا ونكون أكثر تحضرا ورقيا؟

1xbet casino siteleri bahis siteleri