حبل الله المتين

خيم الليل بجوانبه لا صوت يعلو على صوت الهدوء والسكينة وسط هذا الظلام الذي أغوص فيه، ذهني وفكري هائم في دوامة لا أعرف لها بداية ولا نهاية، تائه وسط أفكار مشوشة تعصف بي مدا وجزرا في بحار الدنيا الهائجة؛ وطوق النجاة الوحيد الذي أملكه هو أحلامي، أحلام كلما طلتها لألامس بريقها الذي يشع من داخلي نزلت بي قوارع الدنيا ومطارقها تدق رأسي كما يطرق الحديد الساخن، وليس لي عزاء سوى معرفتي أن الحديد كلما دق أوشك أن يكون مهندا حاسما يسطع بريقه؛ كلما تبادر لذهني وذب لجسمي هوان الهزيمة أتاني نور يقول لي أنك تصقل لغد جميل أنت صاحبه.

نعم هو ذاك الصوت الذي ينقذني دائما من مخالب الهزيمة النكراء، الذي كلما استسلم قلبي لعواصف الدنيا الهوجاء وخضع عزمي لهول الواقع المرير، وأقررت بالهزيمة خطر على بالي قوله تعالى: {أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214] فتذكرت أن سيدنا إبراهيم عليه السلام انتصر على قومه وهو يلقى في النار، وأن سيدنا موسى عليه السلام شق له البحر فنجا ومن معه بعد أن ظنوا أنهم مدركون؛ فهي سنة الله في خلقه ولنا في رسله آية عظيمة قال تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف: 110] فإذا بقلبي ينير ويقوى بنور ذلك الصوت الخفي الذي يحملني من الظلام إلى نور جماله يتلألأ في العين ويزهر في القلب، كبستان يكاد أن يكون جنة الله في أرضه، ليتجلى ذلك مرة أخرى على كل أركاني ويتقد بعده موقدي ليضيء ظلام كل من هم حولي، فبعد أن كان داخلي يحترق بنار تأكل حشاشة قلبي، بنار تهدم أركاني وتنسف كل تطلعاتي ها أنا أضيء كل عالمي.

هو خيط رفيع لا تقطعه وإن لم يعد يرى من شدة دقته دعه يربطك بذاك النور الذي هو نجاتك في هذه الدنيا، فلا شيء يجعلك تجالد إلا ذاك الخيط، ولا شيء يمدك بالطاقة والعزيمة في أهون وأضعف لحظات حياتك إلى ذاك الخيط، حتى إذا أوشكت على الانتهاء ونظر إلى عزمك وصبرك من صاحب النور نسج لك من الخيط حبل متين لا تخرقه السهام ولا تقطعه السيوف، إنه حبل كل مؤمن ومؤمنة إنه حبل الله المتين، الذي يجدد طاقة من لا طاقة له لينتقل بك من الظلمات إلى النور كما انتقلت أنا عبر هذه السطور التي بدأتها محبطا وكلما خططت كلماتها غسلت حروفها بماء عذب فرات، ينزل عبر سطورها فيجعل أسفلها مغدقا فيكون بذلك أولها مزهرا ومثمرا فتتجلى رحمات أواخر سطورها على ظلام الروح الذي كان في أولها، فيزهر منها زهر يسر الناظرين وعطر يعجب الغادين والرائحين، فها أنت بعد الخراب أصبحت كروضة عطرة تستمد جمالها من نهر الإيمان الذي يسقي قلوب كل المؤمنين.

1xbet casino siteleri bahis siteleri