قشور زائفة

ملامح حادة وصمت عميق اجتمعتا لتولدا شخصية غامضة تجذب كل شخص وتثير الاهتمام في كل مكان تحل به، صمت رهيب يثير زوابعنا من العواصف في ذهن كل من يقابل هذا الشخص وكأن في برودته وقلة كلامه زمهريرا قاتلا يجمد علاقته بأي إنسان يقابله؛ كثير منكم بعد أن قرأ ما سبق سيتخيل أنها شخصية شريرة كشخصية الجوكر التي يعرفها حتى من لا يعرفها من الناس، لكنه مظهر خارجي فقط، قشور لإنسان صنعتها عدة عوامل أو صنعها هو لنفسه حتى يحمي مكنون شخصيته الحقيقية. فكل من اقترب وجد جليد نفوره تجاه هذا الشخص يتبدد، حتى أصبح يحس بدفء جوهر هذا الشخص، فقد أزاح الستار ودخل ليتربع في بيت المحبة الدافئ الذي صنعه هذا الإنسان لنفسه ولمن يحب.
فالتصور الحقيقي للأشياء لا يتم إلا بالتمحيص والتجريب، قال رجل لعمر بن الخطّاب رضي الله عنه: إنّ فلانا رجل صدق؛ قال: سافرت معه؟ قال لا. قال: فكانت بينك وبينه خصومة؟ قال لا. قال: فهل ائتمنته على شيء؟ قال لا. قال: فأنت الذي لا علم لك به، أراك رأيته يرفع رأسه ويخفضه في المسجد! عيون الأخبار وحكم ذلك بين وجلي فقد خبر الفاروق رضي الله عنه هذا الأمر وعلم أن الظواهر تخدع فقد ترى إنسانا فتكرهه، فإن كان بينك وبينه سفر أو خصومة أو تعامل مالي انجلت عنك سحابة ذلك الشعور، وانقض بنيان الحكم الذي شيدت صرحه في نفسك وعكس ذلك صحيح؛ فقد ترى إنسانا فتحبه فإذا خبرت منه ما سبق علمت عكس ما استقر في نفسك لأول وهلة، وما هذه إلى معايير قد تكفي وقد لا تكون كافية لأن عقولنا قاصرة وعلمنا محدود ولهذا كان مدار كل الأعمال في شرعنا الحنيف مترتب على النية التي لا يعلمها إلى علام الغيوب، عن عمر ابن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى… » صحيح البخاري فمدار كل الأمور متعلق بهذا المكنون الذي يحس به الإنسان بين جنبيه دون أن يعرف حقيقته ووصفه، لكن يكفي أن يشعر به حتى يوجه أعماله تجاه خالقه وإخوانه بصدق وإخلاص تام فلا يظلم أحدا انطلاقا من تعامله معهم بإخلاص ولا يحكم على أحد لمعرفته أن حكم العباد في يد رب العباد.
مقالات مرتبطة
فظاهر الأشخاص والأعمال خادع ولا يمكن معرفة جوهره أو القصد منه من زاوية صغيرة متمثلة في شخصك أو نظرتك وتحليلك للأمور، أو من خلال خبرات سابقة مشابهة لما هو أمامك، وستعلم يقينا بعد مدة أن خللا وجد في تصورك لما يحصل عادة من توسع للإنسان في زاوية رؤيته للأمور، وذلك تبعا للنضج الذي تراكمه الحياة في خبرات الإنسان ومعارفه وكلما زادت معارف الإنسان علم ما في نفسه من نقص فرأيته صامتا بعد أن كان متكلما هادئا بعد أن كان هائجا ومتسرعا، فقد أحس بثقل الأمور بعد أن خبر حقيقتها أو جزءا من تلك الحقيقة؛ ولا شك أن قدمه زلت في حكم لما علم حقيقة مضمونه أصبح ذلك الحكم سكين ندم فوق حنجرته، فلا حكم للقشور والظواهر فهي زخارف قد تكون زائفة كما قد تكون صادقة ولا حكم لك فيها إلى تصور مسبق لا مصداقية له عند نفسك أولا إن كنت عالما حكيما ولا عندك غيرك إن كنت صادقا أمينا.
1xbet casino siteleri bahis siteleri