هل يمكن للإنسان افتعال أزمات نفسية؟

تتضارب وجهات النظر حول حقيقة وجود ما يسمى بالأمراض النفسية، بين من يعتبر أن الإنسان جسد وروح وأن الاثنين معرضان للمرض وتداعياته، فكما تصيب الأمراض العضوية جسد الإنسان، فإن النفسية معرضة أيضا للأمراض النفسية. وهناك الفريق الثاني الذي يجد صعوبة في الإيمان (أو على الأقل الاعتراف) بوجود أمراض تصيب النفسية، فإما أنها وهم في مخيلة الإنسان أو وليدة مرض عضوي، وهذا فريق يعتبر أن الطبيب النفساني لا يمكن أن يكون له دور وأنه يستنزف أموال الناس مقابل الإنصات لهم دون تقديم حلول عملية.

لن نخوض في هذا النقاش، فالراجح أن للنفس أمراضها أيضا، والطب النفسي فرع من أهم فروع الطب، وعلم النفس أيضا رغم اختلافي مع أطروحات عدة لمتخصصيه، يبقى علما قائما بذاته له رجالاته وله من أفنى عمره في البحث فيه وصياغة أطروحات وبناء أفكار بغض النظر عن صحتها، لكن السؤال المطروح: هل كلما اعتقد الإنسان أنه يمر من أزمة نفسية يكون ذلك صحيحا؟ أم أنها يمكن أن تكون مفتعلة؟

يمر الإنسان في مختلف حياته بظروف عدة تتفاوت صعوبتها، ومنها ما يكون فيه مصطلح “الأزمة النفسية” مبررا، فمن فشل في مخططات كان يبني عليها آماله لن يكون الأمر هينا عليه، ومن فقد والديه أو فلذة كبده تصعب مواساته، ولكن درجة صعوبة المصابين تختلف، وتختلف معها البنية النفسية للشخص بين من يملك قدرة تحمل ومن يسهل هز نفسيته.

مقالات مرتبطة

على العموم لا يمكن الإنكار أنه يصعب غض الطرف في بعض المواقف ويصعب مواساة أصحابها، ولا يمكن عتابهم على الضرر النفسي الذي يلحقهم من جراء ذلك، ولا يمكن أن نفترض أو نقنعهم أننا نحس بهم أو نضع أنفسنا مكانهم، فلا يمكن أبدا أن تحس نفس الإحساس كما أوضح ذلك موريس ميرلوبونتي في تناوله لمفهوم الغيرية… ولكن في السنوات الأخيرة اختلف الأمر قليلا…لقد أصبح مصطلح الأزمة النفسية مبتذلا حتى تم إفراغه مما يحمل من معان، وأصبحت المسببات والمبررات التي تعطى لتبرير المرض النفسي سخيفة للغاية، نعم لا أنكر اختلاف قدرة التحمل بين الناس ولكن الأمر أصبح فيه نوع من المبالغة، ويعزى ذلك حسب وجهة نظري المتواضعة إلى سببين رئيسين:

  • الأول هو اختلاف ظروف الحياة بين الأجيال، فالسهولة التي أصبحت عليها مجموعة من الأشياء مقارنة مع الأجيال السابقة، جعلت أمورا عادية تبدو صعبة المنال والإدراك، وربت ثقافة الاستسلام بسهولة لدى مجموعة من الشباب بدل السعي الحثيث لتحقيق الأهداف.
  • والثاني هو التطور التكنولوجي ومواقع التواصل الاجتماعي التي تسقط الإنسان في مقارنات سخيفة تجعله غير راض بتاتا مهما بلغ مستوى عيشه ومهما غرق في النعم، ويدخل في أزمات نفسية مفتعلة لا مبرر لها.

لن يتحقق السلام النفسي إلا بالرضا، فمهما بلغ سقف طموحاتك وهو أمر مشروع، وجب الرضا بما تملك وحمد الله على نعمه التي لا تحصى ثم الطموح بعد ذلك، واعلم أنك الآن تعيش أمورا حلمت بها وطمحت إليها من قبل، فلا داعي للبحث عن افتعال أزمات نفسية لا وجود لها. عافى الله كل مريض وفرج كرب كل مهموم!