أن تجابه نفسك!

ألم مرير اجتاحني، ظننتها نوبة ما قبل الولادة ليس إلا، انتظرت مرورها، لكن دون جدوى، الاتجاه صوب المستشفى أصبح أمرا حتميا، رفضت معظم المستشفيات استقبالي، إما لعطب تقني، أو لمشكلة جدية في جنيني. اجتمعت علي مشاعر الخوف والألم، وهأنذا قبالة آخر مستشفى قبل استقبالي.. صور ضبابية، لم أعد أذكر تفاصيلها، ها هي قبالتي، طفلة جميلة المظهر، هادئة النفس، احتضنتها، وزالت آلامي ومخاوفي بعدها.

في مثل هذا اليوم وُلدت، تمردت للمرة الأولى والأخيرة، قبل إخبارنا بمجيئها إلى هذا العالم السعيد البائس، في مثل هذا اليوم ولدت أمل، وفي مثل هذا اليوم، تنهي عامها العشرين، ظنت أن عقد العشرين لا يزال بعيدا، لكن ها هي تخطو فيه أولى خطواتها، وإن سألتها كيف مرّت، ستتلعثم كلماتها، لا محال، “كانت حافلة”، اكتفت بكلمتين لا ثالث لهما، ربما تحاول إعادة ذاكرتها إلى ما قبل الآن، كانت علامات الشرود ظاهرة على محيّاها.

-ربما ليست هناك إنجازات عظيمة تُذكر، لكن تلك الانتصارات الصغيرة لن يغض عنها الطرف، أردفت قائلة. لم أندهش من كلماتها، التزمت الصمت منتظرة سماع بقية حديثها… “أن تجابه نفسك، ربما هو أعظم إنجاز تحرزه تجاهها، أو على الأقل أن تدرك كيف لهذه النفس أن تصعد بك إلى القمة، أو تودي بك إلى الهاوية.”

مقالات مرتبطة

تنهدت قليلا، ثم استرسلت قائلة: “والداك، وإخوتك، عائلتك المقربة التي تهتم لأمرك، وأولئك المعارف الأقلاء الذين تشغل حيّزا في عقولهم، سوى ذلك، لا تهتم كثيرا، الكثير من الرضا، حتى وإن سارت الأمور عكس ما خططت له، لا تفكر كثيرا، واترك الأحداث تجري كما شاءت، فما قدّر لك لن يناله غيرك، ومن لم يكن من نصيبك فلن تناله ولو تمردت وعصيت، تقبّل، وامض، ابحث عمّا تبحث عنه، فإن وجدت ما ترنو إليه، فاسع إليه.”

تنهدت قليلا، لا زالت تبحث في داخلها عن تلك الأشياء التي جعلت أعوامها حافلة، ارتسمت ابتسامة طفيفة على محياها، وكأنها تذكرت شيئا طريفا. “إننا نحن معشر البشر في تعاملاتنا، كعلاقة الأقطاب الموجبة بالسالبة، فكل أمر راهنّا على استحالة إنجازه، هو الخيار الذي يبقى لنا دون غيره، وكل أمر ركضنا نحوه بكل قوانا، فرّ منّا دون دقيقة إنصات أو تفسير، فذلك التخصص الذي تجنبته مرّة، وقعت فيه في التالية، وذلك المسار الذي ادّعيت أنه لا يناسب ميولاتي، وجدتني فيه مرغمة، وتلك الطريق التي زعمت المضي فيها، رفضتها الظروف باختيار مني، وتلك الأشياء التي أردتها بشدّة، رفضتني بقوّة، إلا أن الأمور وإن ساءت في بادئ الأمر، وأوهمتنا بعشوائية مخططاتنا واستحالة نيل مبتغانا، فالوقت يداوي كل تلك الأعطاب، ويكشف المستور عن الحكمة من كل تلك العراقيل الذي ظننتها يوما حدّا فاصلا بينك وبين أحلامك.

كانت كلماتها توحي بثقل تجربتها، ظننتها لا زالت تريد البوح ببقية تجاربها، لكنها اكتفت بهذا القدر.

1xbet casino siteleri bahis siteleri