الرغبة في تغيير عالم الأشياء، في اختيار نمط للحياة مغاير، هو حتما فعل تغيير. التماهي مع الأشياء حد التطابق والانفعال معها، أمر لا يمكن إلا أن يحدث فينا تغيرا قد لا يجد منا مقاومة ضده لوقف نشاطه. إن التغيير الذي يحدث لنا بفعل عامل الزمن قد يمكننا إدراكه إذا تموضعنا خارج ذواتنا برهة من الزمن لنقف عند حجم التحول الذي لحق الجانب المورفولوجي من الذات… إنني قد أكون بدون لحية وأنا في سن العاشرة، لكن بعد انفراط ست سنوات تقريبا يمكن أن أقرر أن لحيتي نبتت نسبيا، لكن لماذا سأقول ذلك؟ -أو للدقة- لماذا سألاحظ أنني أصبحت لدي لحية؟
من جهة أخرى يمكن أن ألاحظ بأسف أنني كنت صاحب شعر كثيف خلال العشرينات من عمري الآن، بعد أن صار في عمري 60 سنة صرت أصلعا.. إن توقفي عن مجارات حركة الزمن جعلتني أدرك التغيير الذي ما كنت لأدركه لولا وضعية الانفصال عن الذات التي تسمح للأنا بالمراقبة المورفولوجية للجسد، ومن سوء حظ الفكر أن اللغة تضع المآزق في طريق المعرفة، حيث هذا التداخل الذي بين التغيير والتغيُر يجعلنا أمام مهمة من الصعوبة بمكان، حتى أن فعل الفصل قد يؤدي إلى إنهاء الكلام في الأشياء، هذا يجعلنا نخلص إلى نتيجة مفادها أن مهمة الفصل هذه ستضع الباحث أمام مهمة محايثة تكمن في تحديد العناصر الخالصة المميزة لكل وحدة.
إن الإنسان بالتعريف هو ذلك الكائن المميز الذي يحمل في ذاته وعمق تكوينه القابلية للتكيف مع محيطه، هذا التكيف يعطيه إمكانية العيش حتى في تلك الظروف التي تكون فيها الطبيعة غير راغبة بوجوده فتسحقه بالكوارث. ولكي يحافظ على كينونته عليه أن يتكيف، أن يحقق نوعا من الاندماج مع شروط وجوده، ليس هذا التكيف إلا أداة في يد الإنسان لكي يخادع الطبيعة وذاته معا.
مقالات مرتبطة
عندما أكون في وطن غير وطني الأم فأنا أشعر بالاغتراب، هناك أناس في جانبي لا يتكلمون لغتي ولا يفهمونني، لديهم عادات في الطعام تختلف عن عاداتي، إنهم ببساطة لا يشبهونني ولهذا السبب أفقد الرغبة في البقاء هنا! لحظة! أنا مغترب صحيح، وقد جئت إلى هذا البلد من أجل العمل والحصول على المال لأطعم أسرتي وأحقق لهم عيشا هنيئا وحياة كريمة! إذن، خروجي منه سيعرضني لفقدان وظيفتي وبالتالي فقدان سبب عيشي وأسرتي، عليك أن تتكيف إذن مع عادات وتقاليد هذا البلد وإلا سأكون رجلا فاشلا لا يستحق الحياة..إنني سأكون مرغما والحالة هذه على أن أتبع نظام الحياة الذي تفرضه هذه البلاد، ويجب أن أتماهى مع سلوك الأفراد بما يجعلني أشعر كما لو أنني جزء منهم.
إن اعتياد الإنسان على اتباع نظام حياة معين لم يكن معروفا عنده في المجتمع الذي انبثق منه وتكون في إطار نظامه المعيشي، سيخلق لديه نوعا من اغتراب الذاكرة عندما يرجع إلى بلده الأصل، وفي الآن ذاته سيشعر أقرباؤه وأصدقائه بالتغير الذي لحق صديقهم الذي عاد من الخارج قريباً بعد أن أقام فيه مدة طويلة.
إن التغيير الذي يطلبه الإنسان للعالم، وإذا شئنا الدقة، كل ما يتحقق من أفكار وتصورات تفيد تغيير معطى الواقع تتحول، بعد تفاعلات داخلية بين مكونات التغيير، إلى قوة فاعلة في تغير حقائق الوجود الإنساني. إن تدخل الإنسان لا يتعدى إنتاج الأفكار والعمليات التي تظل معطى مستقلا بذاته يؤدي مفعوله في المجتمع لغايات محددة ومعروفة، بينما تفاعل هذه المعطيات ينتج وظائف جديدة في اتجاه الفرد الإنسان والإنسان المجتمع، وبالتالي يكتسب هذا التغير قوة ذاتية تجعله بمنأى عن تدخل البشر إما لإيقافه أو تعديله، لكن هذا التدخل بمستوياته لا يكون له مفعول ولا يحدث أي تأثير.
إن ابتكار التكنولوجيا يشكل معطى أساسيا في الإنتاج المادي الذي تسبقه عمليات ذهنية مجردة، وبالتالي كان لهذا الإنتاج أهمية كبرى بالنظر لقيمته الإنسانية والعلمية في المساعدة على تقدم البشرية، أو تغيير العالم والانتقال به من التقليد إلى الحداثة. هذا المعطى بعدما أصبح شيئا مستقلا حقق نتائج عكسية يمكن أن نقول بأنها سلبية، ومهما بلغت درجة تدخل الإنسان في تصحيح المسار الجوهري والذي كان يشكل الغاية الأولى والنهائية من وجوده، فإنها لن تغير شيئا لأن إنتاجه أصبح مخلوقا حرا وخارج مجال التحكم. ومع ذلك، فهذا لا يشفع لنا القول بإمكانية فصل التغيير والتغيُر، نظرا لاتحاد عناصرهما وتداخل مكوناتهما بالشكل الذي يصعب علينا التأكيد بأن التكنولوجيا وحش يفوق الإنسان قوة وذكاء، لأننا يمكن نستيقظ في صباح يوم جميل على خبر مفاده أن الإنسان لم يعد يريد المزيد من الكوارث، إنه يريد أن يعيش في سلام لذلك تقرر توقيف كل شيء، لنعد إلى حياتنا الطبيعية!