لا مزيد…!

أستيقظ مجددا في صباح بارد وصافٍ وأنا كلي أمل وفرح ممكن، إلا أنني أتحسس شعورا خبيثا يأبى تركي بسلام، شعور قوي ينبض في أعماق قلبي، شعور الألم ينبع من إدراكي بأنه أحيانا لا يعود هناك المزيد، لا مزيد من الحب والعشق، لا مزيد من العناق والأحضان، لا مزيد من القبلات المفاجئة على الرأس، لا مزيد من الحلويات المخبئة لأجلي، لا مزيد من النصائح والتوجيهات الصارمة، لا مزيد من الفن والروعة، لا مزيد من الهدوء والصفاء، لا مزيد من المكالمات الهاتفية، ولا حتى دقيقة واحدة.

لقد توفيت جدتي الحناء التي كانت تخبئ لي بحرص الحلويات، لقد توفيت جدتي التي كانت تحرص على إعطائي “الحريرة” لمعرفتها الجيدة كم أحبها، لقد توفيت جدتي التي كانت تهديني التمر وتوصيني بقول بسم الله. لقد توفيت جدتي التي كانت تنتظرني كل سبت لزيارتها، لقد توفيت جدتي التي كانت مرجعي في الدين الإسلامي، لقد توفيت جدتي التي كانت تحبني.

لقد توفي خالي مصطفى الذي كنت أزوره كل صيف في الدار البيضاء مثل قلبه. توفي الفنان الهادئ، توفى أستاذي وموجهي في مساري وتركني ضائعة وحيدة، توفى خالي الذي تمنيت يوما أن أراه يرفع صوته أو يرفع يده على أحد، لقد توفي ولم يسبق لي رؤيته كذلك، لقد توفي خالي الذي كان ينصت لي بتمعن ويجيب عن أسئلتي وأنا طفلة، وأتعجب الآن كيف كان له أن يصبر على طفلة ثرثارة مثلي.

لقد ذهبوا بدون رجعة حتى قبل أن أتمكن من توديعهم والقول لهم بأنني أحبهم، لقد ذهبوا قبل أن أعانقهم وأقبلهم، لقد ذهبت جدتي حتى قبل ان أخبرها كم أنني أحب شعرها الأحمر والبرتقالي أحيانا، لقد ذهبت قبل أن أشكرها على كل الهدايا التي قدمتها لي، لقد ذهبت قبل أن أسألها بضع أسئلة حول الدين الإسلامي، لقد ذهبت قبل أن أقبل يديها الناعمتين للمرأة الأخيرة.

لقد ذهب خالي قبل أن أخبره بأنه أفضل فنان رأيته على الإطلاق، لقد ذهب خالي قبل أن أسأله ما سر هدوئه وصفائه الذي أعجز عن تحقيقهما اليوم، لقد ذهب خالي قبل أن أخبره بالتخصص الذي اخترت.

أحيانا، ما نهتم بالحصول عليه أكثر من أي شيء آخر ينتهي ويذهب بعيدا دون رجعة، حتى قبل أن تتمكن من توديعه والقول له “أنا أحبك” لذا، من الأفضل حين يكون هذا الشيء بحوزتنا أن نحبه ونهتم به، أن نصلحه عندما ينكسر ونداويه عندما يمرض، وهذا ينطبق على الأزواج، الأطفال، الوالدين، الأجداد والأحباء.

هناك القليل من الأشياء التي تجعلنا سعداء بغض النظر عن ماهيتها، والحياة بقدر أهمية الأشخاص الذين نعرف أنهم مميزون، ولذلك نبقيهم قريبين منا، من المهم أن نجعل كل شخص من أصدقائنا وعائلتنا يعرف أننا نحبه حتى لو اعتقدنا أنه لا يبادلنا الشعور نفسه. سنذهل حينها مما يمكن أن تفعله ابتسامة واحدة من القلب وهاتين الكلمتين الصغيرتين “أنا أحبك.”

1xbet casino siteleri bahis siteleri