بداية لا أعرف لم يشعر جيل الألفين أن عالم الأنمي هو عالم لهم لوحدهم فقط، وأننا -جيل التسعينات- متطفلين عليهم في عالمهم الخاص، مع أننا كجيل التسعين كبرنا على الأنمي من سيف النار إلى دراغنبول، المحقق كونان، كابتن ماجد، مغامرات الفضاء (غريندايزر) عالم البوكيمون.. وغيرها الكثير من أفلام الأنمي التي كبرنا معها، هذا إن علمنا أن أقدم فيلم أنمي كان إنتاجه سنة 1917 ومدته دقيقتان. وعلى العموم لا أريد أن أحول المسألة لصراع الأجيال لكني أحببت أن أقول إن هذا العالم شاسع ويتسع لنا جميعا.
والفارق الوحيد بين الأنمي التي كنا نشاهدها أنها كانت مدبلجة للعربية ونشاهدها على التلفاز في وقت محدد، كما أن المواضيع تناسب إلى حد ما عمر الأطفال، في حين أصبح اليوم في عصر الأنترنت ومع مواقع التواصل الاجتماعي والتقدم التكنولوجي الهائل، إمكانية الوصول للأنمي من مصدره وبلغته الأم وفي أي وقت تريد، كما أن المواضيع متعددة وعميقة تناسب جميع الأعمار. فلهذا العالم تصنيفات حسب الفئات، كالشونن الموجهة لفئة الذكور البالغين، والشوجو الذي يستهدف في المقابل الإناث، إلى السينن ومانغا الأطفال التي تكون ذات محتوى يهدف إلى تكوين شخصية سوية للطفل وتعليمه الأخلاق الحميدة.
وربما توجد اختلافات في المواضيع قليلا، وهذا ما سنتطرق له هنا في هذا المقال، إن شاء الله، الذي أريد منه أمرين اثنين: أولهما محاولة لتجاوز مصابنا الجلل وكارثة الزلزال بشيء يعيد الأمل وأن الحياة تستمر رغم الآلام، وأن نكون كلوفي مصممين على تحقيق أهدافنا مهما كانت الظروف غير مواتية وقاسية حتى. نحمل جروحنا ونكمل الطريق للأخير وسط الأمواج العظيمة التي تقابلنا بها الحياة في اختبارتها لقوة عزيمتنا. وثاني شيء أردته هو أن نقف على حقيقة هذا العالم، عالم الأنمي. واخترت شخصية مونكي دي لوفي ليكون خير ممثل لهذا العالم.
إن أول ما يشد انتباهك في شخصية لوفي، بطل ون بيس، هو تلك الابتسامة التي لا تفارقه، وثقته العمياء في كل شخص يقابله، ثم تجسيده للحرية، فلوفي يفعل ما يراه الصح في محاولة للاستكشاف، فكأنه يمثل جانبنا الطفولي البريء والعفوي الذي يبتسم لكل من يبتسم له ويثق في الجميع ويحب الاستكشاف والذهاب لأبعد نقطة. إن هذه الصفة بالضبط هي ما تجعل كل من يشاهد ون بيس يتعلق بلوفي الذي يدغدغ الطفل الصغير الذي بداخلنا.
وثاني شيء يلفت الانتباه في هذه الشخصية هو عفويته التي تصل لحد اللامبالاة، فكأن لوفي يمثل نوعين من الناس: النوع الأول الذي يتوق أن يكون مثله ويظهر ذلك الجانب المستهتر الذي يخفيه لأسباب اجتماعية، النوع الثاني الذي يظهر لامبالاته ولا يهتم شأنه شأن لوفي، ولهذا فهذه الشخصية تمثل بحق نوعين مختلفين من الناس. أحدهما يرى فيها جانبه الخفي والآخر جانبه الحقيقي.
والمتتبع للأنمي سيجد حتما اختلافات كثيرة بين شخصية البطل في ون بيس وبين الأبطال في باقي الأعمال. صحيح أن لوفي يملك قوة خارقة حيث أصبح جسمه مطاط ويتمدد لحد كبير بعد أن أكل فاكهة الشيطان وهذا شيء خيالي، إلا أنك تشعر أن التطور النفسي والسيكولوجي للشخصية واقعي لدرجة كبيرة. حيث يختلف لوفي عن باقي الأبطال في الأعمال الأخرى كناروتو أو كيرا في “مذكرة الموت” وإرين ييغر في “هجوم العمالقة” وغيرهم. وبينما كل هؤلاء الأبطال تحركهم الرغبة في الانتقام من عدو ما، فإن كل ما يحرك لوفي هو الرغبة في أن يصبح ملك القراصنة، وهذا ليس بذلك العمل النبيل ولكن يظهر قوة العزيمة ومبدأ الإصرار على تحقيق الحلم مهما كان بسيطا، أو رآه الآخرون بسيطا.
لوفي لا يملك ذكاء خارق ونبوغا ككيرا مثلا، لكنه في المقابل يملك ذكاء عاطفيا واجتماعيا عاليا جدا جعله يغوص في نفسية أصدقائه وطاقمه ويعرف حتى العقد النفسية لكل شخصية ويحررها منها. وفي هذا إشارة جميلة، فالقائد الحقيقي هو من يملك ذكاء عاطفيا يجعله قريبا من نفسية طاقمه وفريقه، ومستعدا حتى للتضحية من أجلهم. في حين نجد أن كيرا مات في الأخير وحيدا ولم ينفعه ذكاؤه المنطقي كثيرا. ومما يجعل لوفي شخصية حقيقية بشكل كبير هو اعترافه بالنقص حيث سيقول ذات مرة لسانجي: “أن أكون وحيدا مؤلم أكثر من أكون مجروحا” ولهذا يُعلي لوفي من قيمة الصداقة كقيمة ثابتة راسخة، حيث يأتي أصدقاؤه في المرتبة الأولى وهذا يدفع لوفي لمبدأ آخر على القائد أن يتحلى به وهو مبدأ الإيثار، فولفي مستعد للتضحية بكل شيء في سبيل أن ينقذ أصدقاءه وطاقمه، ثم يأتي المبدأ الأساسي الذي يجب على كل قائد فريق أن يتحلى به وهو مبدأ التشاور فكثيرا ما كان لوفي يظهر جهله بالأشياء ويسأل عنها ويتشاور مع من هم أعلم به في تلك الحالة والظرفية، فالقائد الحقيقي لا يستأثر بالرأي ولا يظن أن رأيه هو الصواب فقط.
وحقيقة لن يكفيني مقال واحد أعدد فيه خصال ومزايا هذه الشخصية المركبة، وقطعا لم أقف على كل جوانبها، ولكن وحتى لا يطول بنا المقام والمقال، ليُقس ما لم يقل على ما قيل، فالفكرة العامة وصلت، فنحن نحب هذا العالم.. عالم الأنمي، لأمرين إما أنه يمثل جانبنا الحقيقي، أو لأننا نفر من جانبنا الحقيقي ومن الواقع بكل ضغوطاته ومتطلباته إلى عالم الخيال المحض، عالم نجد فيه شاب يمكنه أن يتمدد إلى عدة أمتار وهدفه الوحيد أن يصبح ملك القراصنة. عالم كل شيء فيه ممكن ومسموح به. ونحب لوفي بالخصوص وباختصار لأنه لمس الطفل الذي بداخلنا.