متى نصر الله!؟

إني لا أريد في مقالي هذا أن أكرر المكرر، ولا أن أعيد عليك ما تعرفه سلفا في القضية الفلسطينية، ولا ما بت تعرفه أيضا، من نفاق المجتمع الدولي الذي أصبح ظاهرا للعيان، ولا عن تخاذل وصمت العرب.. هذا الصمت الذي يمزق الإخوة في فلسطين أكثر مما تفعل قنابل الاحتلال، ولسان حالهم يقول:

وما ضرني غريب يتجهمني ولكن قريب يعرفني.

كما أنني لن أكرر عليك ما سبقني إليه الزملاء الكتاب في مقالات سابقة، والتي اطلعت على أغلبها. لكني أريد أن أقف معك وقفات قرآنية نستخلص منها أسباب النصر ومن منبعها، القرآن الكريم وكما أخبر به رب العالمين جل في علاه.

إن مشكلة الإنسان العربي اليوم، كما يقول مفكر العرب الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمة الله عليه، مشكلة هذا الإنسان أنه يفكر بالحلم أكثر من أسباب تحقيق ذلك الحلم. فاليوم الكل يفكر في حلم تحرير فلسطين من براثن الاحتلال الصهيوني، لكن ولا أحد فكر في أسباب تحقيق ذلك الحلم، أو سبب تحقيقه، فهو في نظري المتواضع سبب واحد.

إن تحرير فلسطين وزوال الاحتلال أمر واقع لا محالة، لأن الله تعالى أخبر به في محكم تنزيله. ولنقف إذن عند الآيات السبع الأولى من سورة الإسراء، وبالضبط من الآية الرابعة {وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)}. 

إن هذه الآيات الكريمة تلخص لنا المشهد، من أوله لآخره. وتجعله واضحا كوضوح الشمس. وتبين لنا أسباب الصراع وكم سيمتد وكيف سينتهي، كما تخبرنا عن سبب الانتصار. ولنحلل هذه الآيات لنقف على كل ذلك.

لقد قضى ربك في الكتاب أي في اللوح المحفوظ أن بني إسرائيل سيفسدن في الأرض مرتين ويعلن علوا كبيرا. ويفيدنا هذا الإخبار الإلهي بالاطمئنان فلا يقع في ملك الله إلا ما أراد ربكم الكريم. لكن لاحظ معي، أيها القارئ العزيز، أن بين الوعد الأول والوعد الأخير، في الآيات السابقة وهي الفترة التي يكون فيها اليهود في عز قوتهم وكثرة أموالهم، والواقع يشهد بذلك، فأغنى العائلات في العالم هم يهود. وجعلهم الله أعز نفرا، والنفير في اللغة ليس كثرة العدد وإنما النفير مَن نفر مع الرجل من عشيرته، فالنفير إذن هو طلب النجدة من الخارج لقصور في القوة الذاتية، ولعمري أليس هذا ما رأيناه بأم أعيننا؟! ألم يهب العالم لنجدة بني إسرائيل ويكون في صفهم حتى أن وزير خارجية دولة ليبرالية، علمانية لا تعترف بالأديان أصبح فجأة يهوديا.

قلت إن بين الوعدين قال تعالى {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} تبين لنا هذه الآية الكريمة أن هذا الاختبار هو أيضا اختبار لليهود، اختبار أخير، وكأن الله تعالى أعطى لليهود فرصة أخيرة للإحسان والتوبة قبل أن يسلط عليهم عدوهم ويهلكهم عن بكرة أبيهم. وها أنت اليوم تشهد، وليس الخبر كالعيان، ظلم اليهود وطغيانهم وتجبرهم في الأرض. فلا تبقى لهم حجة بعد ذلك.

السؤال الآن، متى نصر الله؟ ومتى نقضي على اليهود؟ كما أخبر الله  تعالى. أولا لنتفق أن المعايير الإلهية تختلف كليا عن معاييرنا. وقد زودنا القرآن الكريم بآليات استشراف مآلات الأمور لو أحسنا القراءة، وبعض من تلك المعايير الإلهية، ومنها أن النصر لا يأتي إلا بعد أن يشتد الظلم أكثر وأكثر، وبهذا فالصراع مع الصهاينة ما زال طويلا، وهذه سنة ربانية في الخلق، ألا ينزل نصره إلا بعد أن يستيئِس الناس من النصر {حَتَّىٰٓ إِذَا ٱسْتَيْـَٔسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّىَ مَن نَّشَآءُ} لكن الله في المقابل أخبرنا أنه جل في علاه {يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} فهل نقاتل اليوم في سبيله صفا واحدا؟ قطعا لا.

وإذا ما عدنا للآيات السابقة من سورة الإسراء وجدنا سبب النصر واضحا أمامنا ونحن غافلون عنه. سبب النصر بكل بساطة هو أن نعود عبادا لله، {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا} فمتى أصبحنا عبادا لله كالسلف الأول وانتصرنا لفلسطين لله ولإعلاء كلمة الله وليس للحمية العربية ولا للانتقام السياسي أو العرقي، وكنا صفا واحدا كالبنيان المرصوص، حينها فقط سيسلطنا الله عليهم، فطول هذا الصراع من قصره بيدنا نحن.

ولا تفهم أن القصد بعباد لله أن نكثر العبادات البدنية من صلاة وصوم وتلك الواجبات المفروضة عليك في كل الحالات ولا يستقيم دينك إلا بها، بل المقصود بعباد لله أن تكون وجهتك هي الله في كل شأنك، وفي كل وقتك، وأن تكون عبدا لله كعمر بن الخطاب الفاروق الذي قال لو نادى مناد من السماء: أيها الناس إنكم داخلون الجنة كلكم أجمعون إلا رجلا واحدا، لخفت أن أكون هو، ولو نادى مناد أيها الناس إنكم داخلون النار إلا رجلا واحدا لرجوت أن أكون هو.. عمر بن الخطاب الذي أجمع أهل التفسير أنه هو المقصود بقوله تعالى {عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ} لما فتح بيت المقدس ودخله أول مرة واستلم المفتاح من بطريرك النصارى.

والآن، صديقي القارئ، وبعد أن حللنا معا هذه الآيات الكريمة وعرفنا متى وكيف يأتي نصر الله؟ فما أنت فاعل من مكانك، وكيف ستكون عبدا لله ويكون الله وجهتك في كل وقت وفي كل أمر، حتى تكون سبب في النصر أو تسهل له الطريق للجيل القادم أوالذي بعده. فيأتي نصر الله والفتح الأكبر وتحرر فلسطين ونصلي في المسجد الأقصى ونحن نتلو قوله تعالى: بسم الله الرحمــــن الرحيم {وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا ۖ نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}

1xbet casino siteleri bahis siteleri