موتٌ ولا مبالاة

وأنا أجلس في مكتبي المُكتظ بالمهام المؤجلة، لا يكاد يشغل بالي شيء سوى هاته الحرب الطاحنة التي تشتعل رحاها ساعة بعد أخرى، ويوم بعد آخر، يكاد ينفطر قلبي من أجل أولئك الأبرياء التي أحيلت أجسادهم إلى شتات ولست أملك إلا هاته الكلمات تعبيرا عن حزني تارة وامتناني لهم لأنهم يقاومون من أجل أرضهم، ويغسلون اسم العروبة الذي انحسر فيهم من الذل والمهانة، ولا يوقفهم فقدان قريب شهيد عن مزيد من المقاومة، فرغم الجراح يقاومون.

ودائما ما تنسلُّ بعض الكلمات من أحدهم وهو يرمي المقاومين بالتهور، وقد يتطور الأمر ويتحمس القائل وقد وجد أذانا صاغية لترثراته تلك، ويصفهم بالإرهابيين، فلا أملك إلا أن أحاول كبح غضب لا يُكبح وأعيد على مسامعه أسطوانة من الكلمات دفاعا على عربي من عربي، أتحدث بجهد وبعدم اقتناع من المتلقي حتى ليخال لي أني أدفع بحججي تجاه صهيوني متشدد في صهيونيته.

وبينما الحرب مشتعلة والناس يَرتقُون فهاته بلاد الحرمين تتمايل فيها الأخصر طربا وفرحا، وتتطلع العيون المكبوتة إلى ما ينسي همَّها، من نهود بارزة وأقمشة تبدي أكثر مما تخفيه كأنهم يقولون: أن دعونا نروِّح عن أنفسنا من هاته المشاهد الأليمة التي أبصرناها طوال هاته الأيام، فالحرب حربهم والأرض أرضهم فدعوهم يدفعون جزاء ما عملوا.

وأنا أكاد ألوم نفسي على كل لحظة هدوء أهنأ بها، وعلى كل لقمة تجد طريقها لتسد من جوعي. المحافل في كل مكان، والرقاص في كل مكان، فهنا رجل يتمايل بخصره، فالطبل سيد والكمان صنم الجاهلية، والراقصون عبدة للأصنام، الطبل والأوثار ربٌ ها هُنا، أهو جماد يفعل كل هذا.

تجد بعض الكلمات طريقها إلى ذهني لتريحك راحة صاخبة وقد قال ناسجها: إن أبشع جرائم الإنسان هي التي تحضر لتأخذ صاحبها إلى عالم الجزاء عندما يشرف على الهلاك،

إن أغلب حروب المُستَعمَر مع المُستعمِر، تكون فيها الكفة راجحة حول المستعمِر، ولكن المستعمَر يرى القتال وتحرير أرضه لزاما ولا ينسى وإن مر على استعماره مائة عام، ولا يهم كيف يحارب، قد يكون بحجر مقابل مسدس، أو بندقية مقابل دبابة، أو بغصن زيتون، مقابل قديفة ضخمة، فهو صاحب قضية يحيى لإحيائها، وبإحيائها يحيى، فكما قالت نجاح العطار: باطل كل عمل جسدي أو عقلي لا تكون له غاية أو قضية، وخائب الإنسان مهما كانت مواهبه إن لم تكن له غاية أو قضية.

1xbet casino siteleri bahis siteleri