السودان تحت العد العكسي

متى يموت الإنسان؟ أحين تنفصل الروح عن الجسد وتنقطع أنفاسها؟ من أجل ماذا يعيش الإنسان؟ قضية، كرامة، رغبة، ماذا إن فقد المرء كل هذا فمِن أجل أي شيء يعيش؟ وكيف؟ إنسان فارغ من كل شيء، مليءٌ بكل شيء.

يموت السوداني حيًا قبل أن يموت، تُغتصب الطفولة، ومثلها الأحلام المَبنِية على صروح العزم والمثابرة، ها هي الآن تغدو بأرجلٍ هشة، بأرجل من طين، المرضى لا يجدون سبيل لإكمال العلاج بعد أن حوصرت بعض المدن، وبعد أن تتمكن الميليشيات من الولوج تغتصب النساء، ويقتل الرجال، وتقتل معهم كرامة العالم المُتشَدِّق بإنسانيته الزائفة، وما يُندى له الجبين أن كِلا القُوَّتين قوات الدعم السريع وكذا قوة الجيش السوداني، كلاهما يتقاتلان من أجل سلطة لا من أجل عقيدة أو دين، أو من أجل قضية، ووقود الحرب دائما هم الأبرياء، الأطفال، والنساء، ولا يرجون إلا حياة هانئة.

أين المنظمات التي تصرخ بالحقوق، أين منظمات المرأة، أم أن المرأة في نظرهم دات قوام رشيق وعينان زرقوان، وشعر أشقر منسدل إلى أسفل الخصر، المرأة هي التي تستيقظ كل صباح على زقزقة العصافير، وعلى احتساء كوب قهوة دافئ، وغير ذلك فلا.

يمكن أن نفهم في غزة أن هناك محتلا دخيلا على تلك الأرض، وكيف نفهم في السودان أن صاحب الأرض هو من يغتصب ويخرب ويسرق؟ من أجل السلطة، السلطة غانية فاتنة، ذات خصر بارز ونهود مكورة، وملامح أسرة، فتجدهم يتراكضون وراءها كالكلاب إذ تركض وراء قطعة لحم. يغالب الدمع السوداني وهو يسترجع كلمات الفلسطيني: “كلها يومين وبنرجع”

بعد أن ذبح أبناؤه أمام عينيه، وخُرِّب بيته ونُكِّل به وطرد من بين الجدران التي أفنى حياته من أجل بنائها، يُخلِّفُه وراءه ويرجو من صميمه أن تنقشع هاته الغمامة، ويعود للبيت، ولكن كيف سيعود الأطفال؟ حتى الصحفي في السودان ما عاد الدرع يحميه وإنما عكس ذلك، فأتباع حميدتي يهددون من يوتق الجريمة إذ يقومون بها وقد يلقى الصحفي حتفه في السودان، كما يلقى الصحفي حتفه في فلسطين، وما يزيد الطين بلة أن خلف هاته الحرب دول تدعي التزامها بحقوق الإنسانية، وتجدها تقف داعمة للملشيات في الصفوف الأمامية، مبتغية بذلك الوصول إلى أهدافٍ هي أدرى بها.

ستة ملايين نازح في السودان، وأكثر من مليون نازح لدول الجوار، لا يكادون يجدون ما يسد جوعهم ويروي ظمأهم، سقطت “ود مدني” تحت سيطرة قوات الدعم السريع وهي مدينة ذات أهمية ومن شأنها أن تغير مجريات هاته الحرب حسب المتخصصين، لقربها من مكان نزوح عدد هائل من المدنيين. فهل وجب أن تكون الحرب هي الحل دائما على طول المدى؟

1xbet casino siteleri bahis siteleri