هذا هو الإسلام!‎

عزيزي القارئ، لم أستطع البتة أن أمنع قلمي من نسج أفكار جديدة أو التعبير كالمعتاد، وذلك بعدما شاهدت مقاطعا لتسليم كتائب القسّام -الجناح العسكري التابع لحركة حماس بغزة- الرهائن التي تم احتجازهم في معركة طوفان الأقصى يوم السابع من أكتوبر. لا والله لم أقرر الكتابة إلا بعدما توقفت عند موقف قامت به القسام من جهة وقاموا به المحتجزون من جهة أخرى، وكان هذا الموقف عبارة عن حركات بسيطة، إذ بالأسرى يودعون القسام بطريقة مدهشة، وكذا القسام تفعل الشيء نفسه، كما أن مشهد مغادرتهم سيارات القسام برفقة الكتائب دون خوف وقلق وهم يحملون قنينة ماء وبسكويت، جعلني أسقط أرضا وأبكي بهستيرية وجنون.

ما جعلني في حالة يرثى لها، هو عظمة ذلك الشيء الذي دفع القسام إلى التعامل بسلمية وبإنسانية كبيرة مع المحتجزين، حتى أصبح أسرى الصهاينة يبادلونهم نفس المعاملة. ذلك الشيء هو الذي لا يمتلكه الكيان وحتى إن امتلك المحتل المغتصب إنسانية داخل قلبه فيمكنه أن يقتل تلك الإنسانية لكن لن يتمكن من قتل هذا الشيء لأنه حي لن يزول بفضل الله وقوته، وهو مستمر إلى أن تقوم الساعة ويبدأ الحساب والعقاب. هذا الشيء يا سادة هو ما جاء به خاتم الأنبياء، وانتقل من شبه الجزيرة العربية إلى كل ربوع العالم. هذا الشيء هو الذي يحاربه الغرب والصهاينة منذ أن ظهر بكل الوسائل، ويسعون إلى تكسير بنيته بكل ما أتيح لهم من قوة. وبعون الله وقدرته، سيستمر وجوده إلى اليوم العظيم. نعم، إنه دين الحق والحقيقة، دين المودة والأخوة والرحمة، إنه دين الإسلام!

منذ أن وطئت أقدام الاحتلال الأراضي الفلسطينية، كانت غاية المحتل واضحة، هي إقامة دولة له على أرض الشرفاء، وبدأ بشن عدوان همجي وإبادة جماعية وتطهير عرقي للأطفال والنساء والرجال. لكن، ما يفعله الصهاينة بدعم من “دولة الدولار” له مصالح أخرى وعلى رأسها القضاء على الإسلام والمسلمين، لأن هذا الدين يخيفهم ويهدد مصالحهم، فإنهم لا يتحملون عظمة هذا الدين وهيبته، لذلك فخوضهم للمعارك ضد المقاومة الفلسطينية هو جزء لا يتجزأ من خوضهم لحرب ضد الإسلام.

إن الإسلام هو دين مكتمل ومستقل، مبني على قيم كريمة خالصة، فهو دين يؤطر حياة البشر الدينية والدنيوية، إذ يقدم للمسلم توجيهات في جل المجالات حتى السياسية منها! ويسعى إلى حفظ حقوق الإنسان في مجتمعه وبيئته. وهذا الاكتمال هو ما يخلق للمسلم قوة فكرية، حيث لا يمكن لأية فكرة مشبوهة أن تخترق العالم الفكري الصحيح للمسلم، وهذا ما يخلق مشكلا للأنظمة الدولية الغربية، لأنهم يجدون أنه من المحتمل أن يكون الإسلام هو التغيير الحضري الجذري الذي قد يقع في المستقبل، لأنه أولا فطرة الله التي فطرت في الإنسان، وثانيا لأنه يطرح أجوبة لأسئلة محورية باتت تُسأل اليوم في الشوارع الغربية. وهم يعلمون ذلك جيدا!

ومن أجل ذلك قاموا بتفعيل أنظمة غير قانونية لتشكك المسلمين في عقيدتهم الدينية والتوحيدية، وتضليلهم عن المنهج الثابت عبر عدة طرق، لكن الله عز وجل رقيب عليم بما يقومون به، إذ جعل لهم عز وجل جنودا من البشر لصون هذا الدين الشريف.

هذا الإسلام، هو بريق يوقظ في المسلمين روح الجهاد والكفاح ضد كل معتدٍ عن حرمة هذا الدين، إذ جعل الموت في سبيل الله عظمة وشرف لكل مسلم، لذلك ظهرت في هذه السنوات الأخيرة حملات واسعة ضد الإسلام، وسموه “دين الإرهاب”، إذ أي مسلم مجاهد ومكافح يريد أن ينشر الحق والخير فهو حسب ما يقولون “إرهابي متطرف ومتشدد”. وإن كان هذا إرهاب، بالله عليكم ما يفعله الصهاينة من مذابح وقتل الأبرياء هو فقط لعب بدمى أم ماذا؟!

هذا الإسلام، ليس دين عبادات فقط، بل هو دين معاملات قبل كل شيء ودين أخلاق أيضا لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّما بُعثتُ لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ)، فهدف الإسلام أن يشكل منظومة أخلاقية عالية مُشبعة بالفضائل الحسنة والخصال الحميدة، وهذا ما يجعلنا نلتمس ذلك الفرق الشاسع “شساعة الكون العظيم” بين معاملة الاحتلال لكبار السن والنساء والأطفال ومعاملة القسام لهذه الفئات، لذلك فالإسلام يكَوِّن ضميرا أخلاقيا محكما داخل كل مسلما ولله الحمد والمنة على نعمة الإسلام. هذا الدين، دين أخوة لقوله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}، فهو يشكل قاعدة ورابطة عجيبة بين المسلمين، إذ إنك حينما تتعامل مع مسلم ستشعر بأنك تتعامل مع أحد أفراد العائلة، إذ إنك لا تخاف من التعامل معه أو التأمين عليه. وهذا ما يزيد الغرب خوفا، إذ إن وحدة المسلمين هي قوة خطيرة وكارثة حقيقية للأنظمة الغربية، والتاريخ يشهد لهذه القوة فيما يتمثل في قيام الدولة العثمانية وإمبراطورية الأندلس العظيمة…إلخ.

الإسلام جاء بثوابت حكيمة وعادلة، ورتب حدودا لا يجب تجاوزها مطلقا، وخاصة حينما يتعلق الأمر بحدودك مع الغير، وهذا ما دفع المقاومة الفلسطينية إلى عدم ارتكاب أضرار بالأسرى، والرفق بهم صغارا أم كبارا مهما تعنَّت الاحتلال وسفك دماء شهداء غزة، فالمقاومة لم تستطع الاعتداء على الأسرى بل اعتنت بهم صحيا ونفسيا.

إن الغرب والصهاينة وكل أعداء الإسلام يخافون من هذا الدين، لأنه مُكتفٍ بتشريعاته وخصوصياته، ولأن دعوته للحرية وللإنسانية ولأبرز بذور الأخلاق والمبادئ الصحيحة هي دعوة صريحة وصادقة، عكس الثورات الغربية التي دعت إلى السلمية واللاعنف والتي كانت ثورات مصالح متنكرة بزي الإصلاح والنهضة بدعم من الحركة الامبريالية. إن الإسلام الذي يهربون من مواجهة أنصاره على ساحة المعركة خوفا من الموت الذي يعتبره المجاهدين المسلمين أهون من الدفاع عن الشرف والدين هو عقيدة جديدة جاء بها القرآن الكريم ليعلن عن بزوغ فجر جديد وحضارة جديدة.

هذا هو الإسلام، دين توحيد وعبادة وأخلاق ومعاملات، دين له نظام خاص يشمل كل مناحي الحياة، هذا دين استقامة وتوسط واعتدال، دين جاء ليكرِّم المرأة والرجل والطفل والشيوخ والحيوانات والطبيعة… دين رفضه الغرب الذي قدس المنهج الليبرالي والماركسي وأصروا أن يُطَبَّقَ ويَغْزُوَ عالم الإسلام والمسلمين. هذا الدين هو الذي سَيَقود شعب فلسطين الحبيبة إلى النصر القريب بمشيئة الله عز وجل.

1xbet casino siteleri bahis siteleri