الضمير العربي

عزيزي القارئ، تخيل معي لو اجتمع العرب شعوبا وقبائل، حكاما وملوكا وسلاطين ووزراء، جنودا بدباباتهم وأسلحتهم البسيطة منها والخارقة، مسلمين، سنيين وشيعة… تخيل معي فقط أيها القارئ الكريم، وارسم صورة للمشهد حينما سينهار الاقتصاد الصهيوني والأمريكي بعد توعد الأنظمة العربية لإغلاق نوافذ الإغاثة وقطع العلاقات الاقتصادية وعدم التصدير لهذه الدول، وقطع إمداداتنا لما تستعمله في الحياة اليومية كحظر الأقطار العربية النفط في حرب أكتوبر عام 1973م!

تخيل وحاول أن تفكر مليا كيف ستتحول تلك القوى العالمية العملاقة إلى أرض لا قيمة لها بين الدول، والزمن الذي تكبرت واستعلت وظنت فيه أنها بقوانينها الدولية المشبعة بازدواجية المعايير والأسس ستقود الكيان الصهيوني المجرم إلى إقامة دولة له داخل أرض فلسطين الشريفة سينتهي ويختفي.

ستختلط الأوراق وستمزج بعناية، لتظهر لنا سوادا يلون جدران “البيت الأبيض”. وصدمة تعتلي “الكونغرس”، ومدعو الحرية يجرون اتصالات لعلهم ينقذون ما يمكن إنقاذه من فشل اقتصادي تليه خسائر في العلاقات السياسية والدبلوماسية… وبالطبع فالضحية الأولى لسقوط “إمبراطورية الدولار” هم “الصهاينة”.

آه، كم هو جميل ومشوق ما سردته قبل قليل، بل يتضمن من الأكشن والأحداث المتناسقة ما يجعله فلما يحصد ملايين المشاهدات على منصة “نيتفليكس” ويفوز بجوائز الأوسكار وغيرها.

والآن، لنسدل الستار أيها القارئ عن هذه المسرحية الممتعة التي تخيلناها معا، ولنعد إلى الواقع قليلا، ولنسأل سؤالا صغيرا وبسيطا: وسط ما يحدث الآن في غزة، أين العرب؟

العرب يا سادة، يقفون ويتفرجون، ولا أتكلم بتاتا عن الشعوب، بل أتكلم عن الأقلية والأنظمة، والله أعلم ما يحمله كل عربي مناضل، حامل لواء الحرية والأخوة والإنسانية. إذ كلما تطلعت على وجهه تبين لك الحزن على إخوانه الأبرياء وعلى ما يعيشونه من أوضاع يصعب وصفها ويعجز القلم على تدوين تلك الكلمات المحملة بباقة من الأسى والجروح التي لم تتلقَّ ضمادات ولا أدوية ولله الحمد والشكر على كل شيء. وأما إذ اطلعت على نظرة أخي العربي لرأيت شرارة الانتقام وبريق الجهاد والكفاح والصبر!

رسالتي إلى أصحاب السمو والمعالي والكراسي، ماذا فعلتم من أجل غزة؟ نعم ماذا فعلتم؟ لا نريد منكم كلمات وخطابات مليئة بكلمة “ندين بأشد العبارات”، نريد منكم موقفا خالصا يليه مقاطعة العلاقات مع هذه الكيان وعدم الاعتراف بقيام دولته، ومساعدة فلسطين وغزة، واستعمال جميع الوسائل لوقف هذا الإجرام وهذا الاحتلال، كما تفعل “واشنطن” تماما لدعم الصهاينة وتزويدهم بالأسلحة المميتة لتقتل آلاف الأطفال والنساء. ماذا فعلتم من أجل القدس؟ ماذا فعلتم من أجل يافا وعكا وحيفا وجنين ونابلس ورام الله؟ ومن أجل صفد وطبريا والخليل وبئر السبع؟ ماذا فعلتم من أجل فلسطين؟ سؤال سيظل يشتعل ويحترق داخلكم ليقوم بإيقاظ ضمير ميت جعلكم لا تحركون ساكنا أمام هذه المشاهد المؤسفة التي دفعت شعوب الغرب لتنظيم مظاهرات من أجل غزة!

أصحاب السلطة والجرأة والقيادة والزعامة، هل نسيتم أن القضية الفلسطينية كانت ولا زالت قضية القضايا؟ هل تتذكرون أن العرب إخوة وأن فلسطين أمانة ستظل مسؤولية على عاتقكم؟ ما الذي يجعلكم في سبات عميق؟ حتى ولو كان الأمر يتعلق بتهديدات دولية، ألستم حقا دولا بأرضكم وبجنودكم وخيراتكم، هل أنتم في أمس الحاجة للدول العظمى لذلك لا تتمكنون من تلقين الكيان درسا لن ينساه؟

أصحاب القرارات والإدارات والولايات، اعلموا أن الدول العظمى هي التي في أمس الحاجة لخيراتكم ومواردكم الطبيعية والإنسانية، وأنها تملك من الأنانية والغطرسة ما تملك، وأنها لن تتوقف عن استغلالكم وقتل ضميركم الأخلاقي والإنساني، كي لا تحاسبون يوما أنفسكم على دعمكم المباشر وغير المباشر لهذا الكيان كي يرتكب مجازر وحشية. وهل ترضوا أن تحتل أراضيكم وأن تخرب منشآتكم المدنية؟ بالكاد لا؛ إن التاريخ سيشهد لخيانتكم للعهد العربي، وتماطلكم لنصرة إخوانكم، كما سيكتب عن جبنكم وغدركم واستسلامكم لنباح الغرب والصهاينة. وعسى أن يستيقظ ذلك الضمير العربي كي تستطيعون النظر إلى الحقيقة الواسعة والأقنعة المزيفة التي يرتديها الغرب.

ليت الأنظمة العربية تنسى خلافاتها وصراعاتها فيما بينها، لتتحد يوما ولتنصر أهل فلسطين، ولما لا أن تنصر الشعوب العربية المقهورة جلها. أود بشدة أن أرى الصهاينة والغرب يندثرون كأوراق الخريف وأن تبنى من جديد الحضارة العربية المتألقة. أتمنى ذلك من أعماق قلبي!

1xbet casino siteleri bahis siteleri