أَلا إِنَّ نَصرَ اللَّهِ قَريبٌ

عزيزي القارئ، هل راودتك يوما أسئلة واقعية معقدة؟هل سألت نفسك عن حقيقة واقعنا؟هل ناقشت نفسك حول مصداقية ما نسمعه أو نتلفظ به؟ هل حاولت يوما أو فكرت مليا في قلب طاولة “الشطرنج”وتغيير عالمنا الأسود إلى عالم وردي نستحق فعلا العيش فيه؟ بالكاد، قد أحاطت بك هذه الأسئلة وعشت صراعا نفسيا معنويا أحسست فيه أنك تمثل مركز الكون وأن كل الأحداث والوقائع تدور حولك وأن التغيير سينبع من داخلك!

مقالات مرتبطة
أيها القارئ، إن التصور العامي الذي يحمله وعيك حول ماهية المعركة وجوهر الصراعات هو ما سيغرقك حتما في دوامة الأسئلة والشكوك. إن التصور الصحيح للمعركة يبدأ بتبلور ذلك التصور الخالص لمفهوم المواجهة؛ والمواجهة هي أمر حتمي في المعركة، بل إنها حكم واقعي سرد في تاريخ الأمم والديانات… وفي تاريخ الشعوب أيضا.
إن المعركة والمواجهة مفهومان أساسيان قد شكلا ثغرة في واقع الحاضر والماضي وأنتجا عوائقا كثيرة لاسيما حينما يتعلق الأمر بالتفكير في النصر. والنصر الذي نصوره داخل مخيلاتنا منذ الصغر، يتعلق بأفلام بطولية ومشاهد قتالية لرسوم متحركة، وذلك الذي يجعلنا حينما نطلع على كل المشاهد المفزعة في غزة -تلك المشاهد المؤسفة التي تقشعر لها الأبدان وتبكي القلوب لشدة هولها ولحجم كارثتها- في حسرة على عجزنا وقلة حيلتنا وعن ضعفنا وعدم قدرتنا على فعل شيء يغير القصة، أو المساعدة بمانستطيع، لكن لا نستطيع!
إن أول ما يمكننا أن نقوم به الآن، صغيرا أم كبيرا، أن نفهم أولا ما معنى هذا النصر الذي نريده. ويتوجب علي أن أذكرك أيها القارئ الكريم أن الشعب الفلسطيني قد انتصر وفاز فوزا لا يفوز به إلا القلة منا، لقد استشهدوا وكتبوا عند الله عز وجل شهداء بإذنه، وجزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار، أما المحتل الكافر، الظالم، المشرك الذي سفك الدماء وعذب الآلاف ونهك حرمة الأقصى واستعبد الناس…فسيلقى ما زرع بإذن المولى عز وجل، فافهم أيها القارئ أن ذلك الشعب الذي عذب طيلة حياته دفاعا عن وطنه وعن دينه وعن إخوانه، لن تذهب جهوده وتضحياته سدى، لأن الله عز وجل رقيب عليم وعادل، ويوم الفصل سترد الحقوق لأهاليها، فاصبر!
أما النصر الذي نريد أن نراه في الحياة الدنيا، فهو نصر حتمي، إذ إن النصر بمشيئة الله آت ولو تأخر لسنوات وقرون. عليك عزيزي القارئ أن تؤمن بأن النصر بيد الله وليس بيد العباد قط، ولكي أكمل الفكرة التي بدأت سابقا بإلقائها، فعلينا أن نسترجع سويا تاريخ الأنبياء والرسل والصحابة رضوان الله عليهم الذين مروا بمرحلة المعركة والمواجهة، وآمنوا بشدة أن نصر الله قريب وفرجه ليس ببعيد، وتحلو بالثبات واليقين والصبر حتى جاء اليسر والفرج. وإذا تأملنا هذه الآية الكريمة من سورة يوسف، لقوله عز وجل:{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ} [يوسف: 111]، فعلينا أن نستفيد من عبرة التاريخ وأن نستوعب سنة الله في كونه، لنفهم أخيرا أن قوى الخير تنتصر لا محالة عن قوى الشر، مهما تكبرت هذه الأخيرة واستعلت وامتد وجودها على مدار الزمن.
ووجب التذكير أن تكلفة المعركة والطريق إليها صعبة ومرهقة، وأن الانتصار الحقيقي يكمن في الاستقامة عن منهجنا وأخلاقنا وإنسانيتنا، أما الخسارة والهزيمة فهي أن نحيد عن الحق وأن نتجرد عن قيمنا وعن ديننا، وما فائدة الانتصار إذا كان انتصارا يدوس على معدننا وجوهرنا؟
أيها القارئ، لا تحزن ولا تبتئس، فإن المعركة تحتاج نفسا عميقا لأنها طويلة الأمد، ومتعددة المراحل، وهي ليست ثورة فقط بل هي صراع مع نفسك أولا، وذلك بإصلاح سلوكك وقيمك وعقلك وتنقية ذاتك من الباطل فذلك جزء من هاته المعركة نفسها؛ كما أن تغيير سودوية الواقع فهو تغيير سينبع منا أولا بخوض معركة في جميع المستويات وأن نتحلى بالحرية في فكرنا وأن نعمل على حماية وصون عقيدتنا، لنبني معا جيلا شبيها بالجيل الذهبي للصحابة رضوان الله عليهم.
ختاما، أوصيكم بالدعاء للشعب الفلسطيني، فالدعاء قوة وعون. وما التوفيق والنصرة إلا بيد المولى عز وجل. فأبشر!
قال تعالى:
{حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}
[يوسف: 110]