هل يشفي رمضان أرواحنا هذه المرة؟ 

تدور السنة على مدارها وفي كل مرة يلقانا فيها رمضان مُنهكين. يأتي علينا مثل شُعاع شمسٍ شرقية دافئة، يعرف مواضع الارتجاف فيحُفُّها بقوة حتى نهدأ، يُطبطب كعادته ويُطمئنُ ويجمع الشتات. يكون مبعوثا من الله لكل واحد منّا بشكل خاص. ولكن هذه المرة مختلفة ليست ككل المرات السابقة، هذه المرة أُصبنا إصابة جماعية، أصابتنا الطلقات في مواضع نُخاعية وخلّفت لدينا آثار أبدية أشكّ أنها ستُشفى إلى أن نلقى الحق في داره.

صرنا نجّر الأيام جرًّا مُثقلا من فرط العجز والقهر. تُرافقنا مشاهد إذلال الرجال ووجع النساء وإرهاب الأطفال في بيوتهم. يعيشون حالة رعب في اليوم أربعة وعشرين ساعة، أجساد صغيرة بعقول كبيرة تترقّب وتتأهب وتستنفر وتستعدّ لجميع أنواع الكوارث؛ قصف، استحواذ، قتل، تيتُّم، تهجير، تجويع.. إلى ما لا نهاية من الوحشيّة واللاإنسانية. أطفال صغيرة تُواسي الأمهات وتترحّم على الشُهداء وتطلب القوة من الله. يتكلّمون بلغة قاموسها القصف والاستشهاد.

العادة هي أن يجلس السيناريست ويستوحي الأحداث من خياله، يوسعه ويروضه ويُغذيه كي ينتج تسلسلا مُبهرا للمُتلقّي. يتفنن في إخراج مشاهد قاسية تُهيّج المشاعر و  تتحدّى الطاقة الاستيعابية البشرية. ولكن الآية قُلبت، أصبحنا نعيش كابوسا مُطوّلا لا يستطيع حتى الخيال الواسع استيعابه، لا منطق له ولا أساس، لا مِلّة ولا هوية. والغريب في الأمر أنه مُستمر لم يستطع العالم بالإجماع إيقاف أحداثه. يا ترى هل قُبضت روح السيناريست في نومه دون أن يضع حدّ نهاية لهاذا الكابوس الشيطاني؟

مقالات مرتبطة

هل سننجو من هذه المحنّة الشديدة يا الله؟ هل سنخرج منها كما كُنّا من قبل؟ كيف ذلك؟ هل سننسى “الأبيضاني الحلو وشعره كرلي”؟ كيف نتعايش مع فقدان “روح الروح”؟ قصفوا الأطفال دون أن يأكلوا يا الله، كيف ننسى الأمهات وهي تصرخ من فوار أكبادهن؟ كيف سيكون رمضان عندهم مع كل هذا الأسى والفقدان؟ هل سنتغلّب على كل هذا ونزيّن الحارات والبيوت بالأضواء الملونة مثل كلّ مرة؟ كيف ذلك والألوان خاصمتنا منذ أشهر، لم نعد نرى سوى وشاحا أبيض بخطوط سوداء متشابكة فيما بينها، يرفرف في كل بقاع العالم دون أي جدوى.

الظاهر أن الوضع لن يكون أبدا قابلا للتعايش، لم نقبله منذ البداية ولن نستطيع التقبّل مهما تظاهرنا وسايرنا الأحداث، لا ينفع. الحُرقة تزداد يوما بعد يوم، نحترق من شدة العجز وقلّة الحيلة. تيتّمت أرواحنا واشتدّ الضيق وصرت الأفراح تعبر بدون طعم. الأمل أن تنزل الرحمة في رمضان وأن تعود الفرحة إلى ملامح الأطفال والأمهات وأن يجبر خاطر الجدات.

أكتب عن غزة كي لا ننسى هذه المأساة التي نعيشها معها بحُرقة غائرة، كي لا ننسى أن العالم بأسره لم يقوَ على إيقاف القتل والطغيان. أريد أن نحتفظ بشيء من هذا الوجع إلى الأبد. فليبقَ في سجّل التاريخ وليُدرّس في قاعات المُحاضرات.

1xbet casino siteleri bahis siteleri