كيف تؤثر ذكريات الطفولة على قرارات المستقبل؟

توصف مرحلة الطفولة بالمرحلة الذهبية، فخلالها تبنى هوية الفرد وتتشكل شخصيته. إلا أن الطفل قد يواجه تجارب وأحداث قاسية تبقى عالقة في ذهنه طوال حياته. بل، قد تكون حاجزا لاستشراف المستقبل. فإلى أي حد قد تؤثر ذكريات الطفولة على قرارات المستقبل؟ وإلى أي مدى يمكن لهذه الذكريات أن تؤثر في بناء شخصية الفرد؟ وكيف يمكن معالجة جروح الماضي من أجل التقدم؟

لابد لكل شخص في مرحلة طفولته أن يمر بتجارب قاسية. فهذه التجارب هي التي تغير نظرة الطفل للعالم والمستقبل. لاسيما أن هذه الأحداث المؤلمة هي التي تساهم في تشكل ونضج الوعي لدى الطفل. فإذا أخذنا على سبيل المثال إصابة الطفل بحروق جراء لمس النار أو إناء ساخن، هذه التجربة البسيطة في مظهرها والعميقة في جوهرها كانت درسا وساهمت في وعي الطفل بعدم لمس النار أو الاقتراب منه كونه مصدر خطر وتهديد لحياته.

لكن الأحداث القاسية قد تكون أكبر من هذا بكثير| فقد يتعرض الطفل لحادث مأساوي يؤدي إلى بتر أحد أعضائه أو تشوهها. جراء هذا الحادث الصعب والمؤلم تتدهور نفسية الطفل الصغير، خاصة عند رؤية أقرانه. فينظر بذلك نظرة سوداوية للحياة، ويظن بذلك أن مستقبله قد انتهى. ناهيك أنه قد يتعرض الفرد في طفولته لضغوط نفسية واجتماعية جمة كالإساءة والتنمر والحرمان وغيرها. كل هذه الجروح والصدمات والأحداث المؤلمة مهما تعددت أنواعها، جسديا أو نفسيا، تخزن سريعا وتحفظ في ذاكرة الفرد مدى حياته. بل إنها السبب المباشر في قراراته ونظرته لحياته وشخصيته الحالية.

كثر أولئك الأطفال، جراء هذه الصدمات، يتخذون قرارات خاطئة تؤثر سلبا على مستقبلهم نتيجة التشاؤم والغضب. فيبدأ الطفل بالانحراف عن مساره، والخروج من تعليمه، والتشاؤم بمستقبله ظنا منه أنه لا جدوى للاستمرار في عيش حياته المؤلمة. فيبدأ بذلك بالانعزال عن محيطه الاجتماعي ويتخذ الوحدة ملاذه الوحيد هروبا من نظرة المجتمع. ويتخذ الصمت بديلا للتعبير عن آرائه ومواقفه. فتتولد مشاعر سلبية تجاه الحياة والآخرين من حوله.

ومما يزيد الأمر سوءا أن كل هذه القرارات لها انعكاساتها السلبية الملحقة بها. فالانطواء على الذات والعزلة والتشاؤم يولد أمراضا نفسية يصعب مع الوقت تشخيصها وعلاجها، مما قد يؤدي بالشخص إلى حد التفكير في الانتحار| إضافة أنه قد ينجم عن هذه الأفكار ولادة مجرم خطير بأفكار سوداوية| لكن، اتخاذ مثل هذه القرارات المتسرعة لن يكون قط بلسما للجروح وتعافيا من آلام الماضي| فالمشكلة الحقة تكمن أن شخصية الفرد ضعيفة إلى حد كبير. فإذا كانت قراراته على هذا النحو بعد صدمة في أولى مراحل عمره، فكيف ستكون قراراته بعد التعرض لباقي الصدمات في حياته؟

إن بناء شخصية قوية ليس أبدا بالأمر الهين والسهل. بل تتكون الشخصية القوية بعد التغلب على كل العقبات وتخطي الصدمات وأحداث الماضي المؤلمة واستشراف المستقبل بنظرة تفاؤلية راضية بما قدره الله من خير أو شر، والمعرفة اليقينية أن وراء كل شر يكمن خير لا يعلمه إلا الخالق سبحانه. ولتخطي كل ذكريات الطفولة المؤلمة لابد من التصالح مع الذات والواقع أولا، وتقوية النفس وتزكيتها بالإيمان اليقيني والتفاؤل والأمل وعدم الاستسلام وعدم اتخاذ القرارات حين الغضب والقلق وعدم مقارنة الأوضاع مع الغير والتشبث بالحزم والعزم من أجل الحفاظ على القدرة من أجل تخطي عقبات وخيبات وصدمات المستقبل. وليس من العيب من استشارة أخصائي نفسي قد يساعد في مواجهة ذكريات الماضي المؤلمة وتخطيها بنجاح وتقوية الشخصية.

وتذكر قول الشاعر محمد رباح:
وإذا الشدائد أقبلت بجنودها *** و الدهر من بعد المسرة أوجعك
لا ترج شيئا من أخ أو صاحب *** أرأيت ظلك في الظلام مشى معك؟
وارفع يديك إلى السماء ففوقها *** رب إذا ناديته ما ضيعك
1xbet casino siteleri bahis siteleri