هل حرية التعبير ضرورة في مجتمع فاعل؟

يسعى الإنسان دائما في وسط عيشه إلى التخلص من كل الضغوط والقيود التي تكبل حريته. بل إن هذه الحرية هي أصل وجود كل الكائنات، ولولاها لما استطاع الشخص أن يخرج من غياهب الظلمات ولاسودت الدنيا أمام ناظريه. ولعل أهم أشكال حرية الإنسان هي قدرته على التعبير عن آرائه وأفكاره ومعتقداته دون خوف أو رعب. لكن، في وقتنا الراهن وعلى الصعيد العالمي، تتعرض حرية التعبير تحديدا لضغوط مستمرة أيضا. إذن، ما ضرورة التعبير في وسط مجتمع فاعل؟ ما حدود حرية التعبير؟ أيمكن أن تكون حرية التعبير مصدر خطر وتهديد؟

إن حرية التعبير حق عالمي متعارف عليه، وسبيل الإنسان لضمان كرامته وباقي حقوقه. فالتعبير عن الآراء والمعتقدات والأفكار ضروري لضمان أسس حياة كريمة وعيش سليم. غير أن هذا التعبير مقرون بضوابط وقوانين يجب الالتزام بها وعدم تخطيها. فحرية التعبير، كباقي أنواع الحريات، ليست مطلقة، بل رهينة بالقوانين ومرتبطة بالمسؤولية والمحاسبة.

إن الحديث عن حرية التعبير المطلقة لا يوجد في أي نص قانوني ولا في أي بلد من البلدان حتى الأكثر حداثة وانفتاحا وتقبلا لمختلف الأفكار، ولن تكون! لأن هذه الحرية تنتهي فورا عند المساس بحريات وكرامة الآخرين، بل إن الطعن في كرامتهم وشرفهم أو السخرية من معتقداتهم جريمة يعاقب عليها القانون وترفضها المبادئ والقيم.

مقالات مرتبطة

إن هذه النزعة الفطرية نحو التعبير عما يخالج الصدور من أفكار وآراء قد يكون مهدا وطريقا نحو التغيير الفعال وإرساء مجتمع سالم وسليم؛ فهذه الأفكار هي أسس بناء القوانين وتعزيز الحقوق الإنسانية، فرأي شخص واحد كفيل بأن يصنع الإبداع والتنمية التي ستعود بالفضل إلى كل الأمة والمجتمع! فعبر هذه الأفكار، تتلاقح الآراء لتصنع من المعجزات ما لم يكن في الحسبان، فلا يجب البتة التقليل من شأن أي فكرة مهما بدت صغيرة فقد تكون نتائجها أكبر بكثير!

وغالبا ما يصاحب التعبير عن الأفكار والآراء مجموعة من الأفعال والسلوكيات. لذلك، فإن هذا التعبير قد يكون مصدر خطر وتهديد ولو كان مجرد كلمات، فالكلمات والألفاظ سلاح ذو حدين.

وصدق الإمام الشافعي حين قال:

احذر لسانك أيها الإنسان****ليلدغنك إنه ثعبان
فكم في المقابر من قتيل لسانه****كانت تهاب لقاءه الأقران

إن التعبير عن الآراء والأفكار حق لا بد منه في كل المجتمعات، لكن على هذه الحرية أن تقرن بالمسؤولية والمحاسبة وأن تكون في النطاق المشروع به، وأن يعي الإنسان مدى خطورة ما سيتلفظ به قبل النطق بما سيقول فقد تكون كلماته مصدر شقاء وخطر وإلا سيجني أشد العقوبات الصارمة!