هل البراءة مفتاح دخول الجنة؟

“أن تكون بريئاً لا يعني أن تكون ساذجا أو أن تعيش في عزلة، البراءة هي أن ترى العالم على اتساعه مفتوحا مثلما تراه بعيني طفل.” روجيه شارتييه

البراءة هي مفتاح دخول الجنة، عندما يبرّء الناس من ذنوبهم، ويعودون طاهرين كالأطفال! البراءة، أو البساطة، والتلقائية، هي في الحقيقة جوهرنا النقي، إذا تأملنا في الطبيعة، والحيوانات والأشجار والأنهار، الكواكب والمجرات، كلها تبدو محايدة وبريئة، لا تحمل ذنوبا ولا شعورا بالذنب، لأنها منسجمة مع الناموس الكلي، أو بصيغة أخرى؛ جميعها يَسبَح ويُسبّح في ملكوت الله!

البراءة صفة يولد بها الناس جميعهم، الأطفال مجردون بفطرتهم من الإحساس بالذنب، لذا، تجدهم شفافين ومنغمسين في جلال اللحظة، الأطفال يعيشون ذاتهم الحقيقية! لذا، هم سعداء وبهم طاقة كبيرة وحب للحياة، وعندما تتكون لهم “أنا”، وتبدأ عقولهم في تشكيل وعي وأفكار، يكبرون، يكبر فيهم الشعور بأنهم مذنبون وأن عليهم التكفير عن هذه الذنوب، بأن عليهم مجاراة المعتقدات التي شوهت قلوبهم، والعمل بها، والوفاء لها، وأنهم كائنات عليها أن تبحث عن السعادة، وأن تحقق الأهداف، وتتنافس، وتنتصر، وتغوص في تجارب وعلاقات وأحداث متوالية، فتتوه البراءة عنهم كقارب صغير ضاع في المحيط.

أقصى ما قد تصبحه أن تعود الطفل الذي كنته. ما معنى هذا؟ يعنى أن منتهى النضج هو استعادة البراءة، وأن الحكمة هي العودة للطفولة، وأنها ليست حمقا ولا سذاجة، بل الحقيقة دون الأوهام، معناها أن تعود لقلبك، الذي هو حقيقتك وكمالك، القلب هو الطفل الذي بداخلك، الذي أهملته عندما صدقت أنك كبرت، لأن البراءة ليست شعورا، هي حالة وعي، ولأن الطفولة ليست مرحلة عمرية، هي العيش على الفطرة.

المبدعون الحقيقيون لا يزالون أطفالا، مأخوذين بوحي الدهشة الأولى، مرتبطين بالمصدر الذي ينهلون منه كل إلهام، لذا يحرك فينا الفن الحقيقي شيئا عميقا جدا، لأن الفن تعبير عن الطفولة، والتلقائية والانسيابية، المحبون عندما ينمو الحب جامحا في دواخلهم يصبحون أبرياء من أي شعور آخر، لذا تجدهم منفتحين تماما ومنطلقين دون خوف، لا يحللون ولا يحاولون ولا يقاومون، لأن الحب في الحقيقة تعبير عن الحاجة إلى العودة للطفولة، الحاجة الأولى والأخيرة!

لحظات الصلاة والمناجاة والإحساس بحضور الله، هي أيضا لحظات تجلي الطفولة، وتلاشي الهموم والأحزان، والخروج من تيار الزمن، لحظة ندخل فيها جنة الوصال والخلود، لحظة كأنها الأبدية. كيف أدخل هذه الجنة؟ كيف أطهر قلبي، هل بالحزن والأسى؟ أو بفعل الخير؟ أو في سلام الشعور بالمحبة؟

قبل أن نجيب عن هذا السؤال، علينا أن نستوعب أن الإنسان كائن ضعيف، لكن روحه مطلقة! الحياة تجربة يصعب الحديث عنها أو وصفها، نفتح أعيننا على هذا الوجود، محمولين على أجنحة الملائكة، في أسرة أثيرية من البهجة والسلام، ثم ما يلبث أن يطرق الجحيم أبوابنا، محملا بالغضب والخوف والأسى، ويمسك بيدنا الصغيرة المرتجفة إلى لعبة الحياة، ننغمس بها! وتمتلئ قلوبنا المرتجفة ظلما وظلاما، فنخاف من أن نكون الشر، ونكون الشر، ونحاسب ذواتنا عليه، ونعيش دور الضحية والجلاد، اللعبة تستمر ونحن غافلون، الوهم يكبر ونحن موهومون، كمثل من يمثل فيلما ويصدق أنه يعيشه، لكن الخروج من هذه الدائرة التي لا معنى لها ممكن وأقرب للإمكان من أي شيء آخر.

الحكمة المطلقة هي أن يعود الإنسان لداخله، ويذيب الحواجز الوهمية التي تواجهه الواحدة تلو الأخرى، العودة لا تحدث عن طريق التفكير، بل تحدث عندما تسمو فينا الرغبة الجامحة في معرفة الحقيقة والتحرر من الزيف، عندما نتعب من الزيف ونفتح البصيرة المعمية، عندها نبرئ أنفسنا من كل ذنب حملناه ثقلا فوق قلوبنا، لأننا نكون قد أدركنا أننا كائنات نورانية مقدسة، وأن العالم ليس إلا انعكاسا لما نكونه نحن، عندما نجعل إرادتنا متوافقة مع إرادة الله، لا نعيش البراءة والنقاء فقط، نكون في سلام وبهجة لا تحتاجان لأسباب، ولا تتوقفان على نتائج، هي الجنة التي يوعدها المؤمنون، عندما نؤمن ببراءتنا وبراءة الناس أجمعين، حتى من يوحي ظاهرهم بالعكس، نتعرف حينها على اللامشروط واللامحدود الذي هو الشيء الوحيد الذي يجدر بنا أن نسميه محبة، المعنى الوحيد ذا أهمية في هذه الحياة الفانية.

1xbet casino siteleri bahis siteleri