أحياء وكفى!

الحياة عادلة، لطالما كانت كذلك، رغم الظلم الظاهر، رغم أن البعض يبدو أكثر حظا. لا نمتلك ما يكفي من العلم لنفهم كيف تُسيِّر الحكمة الإلهية أقدارنا وأن الشر الذي أصابنا كان خيرا رغم قساوته، لأن الغاية الأسمى هي أن تتسع الروح بالتجارب حتى تصبح في وحدة مع الكل.

تعي قلوبنا جيدا منذ البداية أنها ستجد منزلها ومكانها متى ما وجدت المحبة والقبول، قبول كل ما عاشته، قبول أخطائها، قبول عيوبها وقبول وضعيتها في هذا العالم كيفما كانت، الراحة والاطمئنان الذين يصاحبان هذا الشعور، يجعلاننا نكتفي حتى وإن لم نكن نمتلك الكثير، نكتفي بكوننا أحياء، نكتفي بهذا الوجود الحر والعظيم، نستشعر مدى سخافة كل شيء عداه، سخافة التعقيد الملازم للأشياء، وسخافة الكره والحقد والأناة.

الحياة ملك للجميع، تحب الجميع بنفس القدر، الأشجار على الرصيف، والطير على الغصن، والبسطاء في القرى، والملوك… كلهم في ميزانها سواء، بشكل واضح وبسيط، الكل خاضع لنفس قوانين الطبيعة، الكل يشيخ ويفنى في نهاية المطاف، وما يجعلنا نعتقد أن بيننا فروقا صلبة غير التي اخترعناها وننسى أننا فانون هو بالتأكيد شيء غير صائب، لأنه يفصلنا عن ما هو مهم، وما هو باق! لهذا يجب أن نتساءل اليوم وغدا وفي كل وقت عما يفصلنا عن الحياة؟ وما الذي يجعلنا قريبين منها؟ هل يمكننا أن نستشعرها دوما وأبدا كما يفترض بنا أن نفعل؟

أول ما يفصلنا عن الحياة التفكير، الانفصال عن اللحظة في الغوص في أفكارنا التي لا وجود لها على أرض الواقع، عند ركوب المواصلات، عند المشي، عند الاستحمام، عند صنع شيء ما! تفكر بدون توقف، تركب عجلتك المعتادة التي تحملك دوما لنفس الأماكن، ماض لم يعد موجودا أو مستقبل لم يحدث، الوهم! أين توجد الحياة في كل هذا؟ هي مختبئة في الشمس الدافئة التي تلامس جسدك اللامبالي عند عودتك من عملك مساء، وفي رائحة قهوتك التي تعدها دون اكتراث، وفي لمعة عيون صديقك الذي يحدثك بينما أنت منشغل بسيل أفكارك مع أن أفكاره قريبة جدا منك إن اخترقت حاجز أفكارك!

لكن، كيف تستطيع ذلك؟ بأن تتصل بقلبك، وتسمح له بأن يكون رفيق أيامك، عندما تستيقظ صباحا، تذكر نفسك وأهل بيتك بأن اليوم جميل، والهواء عليل، وتنهمك بوعيك كله في كل أمر تفعله كأنه الشيء الوحيد المهم في عمرك كله، لأنه بالفعل كذلك، حرر كل طاقتك، تتحرر من سطوة سجن أفكارك التي من صنع ذهنك، وذهنك يخاف فكرة الفناء، فيجعلك تتشبث بالتكرار والركود، تصبح سيد هذا الذهن عندما تعي أنك من تملكه، وأن نداء الحياة بداخلك أكبر منه.

مقالات مرتبطة

أحياء وكفى! ماذا نحتاج في تجربتنا القصيرة في هذا العالم؟ نقول هذا بحرية من ينطلق في حقل شاسع غير محدود لنرتاح من هم أخذ كل شيء بجدية، نحتاج بساطة الروح، العيش بسلاسة، الحب! حب مختلف عن تصورنا التقليدي له، حب هو في ذاته تمرد على التقليدي، ينعكس على أرض الواقع بقدرة على رؤية الجمال في الضعف والمشقة، الجمال فيما يسمونه قبيحا، في المرض، أو الهشاشة، أو انعدام الحيلة! الجمال الذي يصبح هالة تجعل الأشياء الباهتة تلمع، وحنانا يملأ القلب ويفيض به.

لماذا ستكره أي شيء، أو أي أحد؟ لماذا ستكون ضحية كره أحدهم؟ ولماذا ستسأل لم يكره البشر بعضهم بعضا أو لم يوجد غني وفقير، ويوجد ظلم وحرب واحتكار؟ لا تكثرت لما يفعله الآخرون، في اللحظة التي تفهم فيها أنك جزء من العالم الذي تشتكي منه، تتحمل جزءك من المسؤولية، وتكون مصدر عطاء، لنفسك أولا، ثم لمن حولك، للناس وللغرباء لا أحد أفضل من أحد، وكلنا هنا لهدف شخصي خاص بنا، أن نغير نحو الأسمى والأسعد عالمنا الصغير، لا يهم أن يحبنا الجميع، لا يهم هل يحبنا أحد أم لا، ما دمنا نحن مصدر الحب الذي نبحث عنه.

من بين محركات الشعور بالحياة العمل؛ لأن الأشياء العاطلة ميتة، كيفما كانت طبيعة هذا العمل، أو مدى تقدير المجتمع له، إن حب الإنسان لعمله كفيل بأن يجعله متصلا بالعذوبة بداخله، ما دام شغوفا راضيا به، وقنوعا بما جناه منه. ثم إن الإنسان القادر على الاكتفاء بنعمة الحياة هو الذي يعلم جيدا كيف يضع كل شيء في مكانه، فلا يسعى وراء الأشياء التي تركته، ولا يكترث للأحكام، يقدر الأشياء الصغيرة، ويسامح بسرعة، يفهم نفسه ويجعلها يقظة للتغيير وفي حالة سلام دائم، لأن السلام هو أصدق لغة للحياة.

حي وكفى، كنت كذلك دوما، ولا تزال! أينما كنت، وكيفما كنت، اعلم أن لا شيء يستحق وليس لديك ما تخسره؛ عمرك كله فرصتك لتتعلم، الفقد درس، والفشل درس، والألم درس وأنت لا تحتاج للبحث عن العظمة لأنك عظيم جدا منذ ولدت، فقط اتصل بشرارتك التي أطفأ اتقادها الخوف بداخلك، عالج جروحك بسرعة، مزق كل الحجب من على بصيرتك، وكن كما تريد أن تكون عذبا، منطلقا وحرا!

1xbet casino siteleri bahis siteleri