في سبيل التجاهل

نتجاهل لنمضي قدما، نتجاهل لنحمي الأمل والتفاؤل بداخلنا، لنحافظ على تماسكنا، لنصل حيث نريد ولنستمر، يلزمنا الكثير من التجاهل لنقوى، لكن تلزمنا الكثير من القوة لنتجاهل. كيف نتغاضى؟ يصعب كثيرا ألا تؤثر فينا أصواتنا الداخلية اليائسة، والساخرة والخائفة. إحساسنا بالعجز والتلاشي، شعورنا بالوحدة الخانقة، وبالتعب المستسلم، والهوة الشاسعة بيننا وبين ما نريد أن نكون. كما أنه يتحتم علينا عند مصارحة أنفسنا، أن نعترف بذنوبنا كلها، ونقيم حجم كل الخسائر وندرك عواقب هروبنا من المواجهة ونتقبلها ثم نتجاهل كل الأحكام التي خلفناها وراءنا حطاما، كل الندم والخيبات القابعة بنا، والشعور بالعار الذي يريد بنا الهلاك.

خلف التجاهل رغبة ملحة في الحياة، في الحفاظ على الأشياء المهمة ثمينة في الذهن والذاكرة، في دفن أحزاننا دون حداد، خلف التجاهل حاجة للتجدد والانفصال عن كل فصول قصتنا، تلك التي رضينا عنها وتلك التي لم نرض، انطلاق جامح غير مكثرت نحو غمرة المجهول. في التجاهل مقاومة داخلية عظيمة، كأنها درع فولاذي متين، حصن حصين، خلفه نجد حماية لأنفسنا من كل أذى، وحرية لا يعيق حركتنا فيها شيء.

لكن، كيف السبيل؟

لقد أتعبنا الكلام، وأصبحت كل النصائح بلا فائدة، كيف السبيل لهذه الحالة التي لا ننتظر فيها قبولا، ولا نتمسك فيها بشيء، وإلى متى نعيش كالأسرى خلف أسوارها؟ إلى متى نعيش بؤس المقاومة وخطيئة التأجيل؟

مقالات مرتبطة

لن تجد الجواب في كتاب أو خطاب، الجواب ينبع منك، يتأجج داخل روحك عندما تدرك أن الحياة لا تتوقف، وأنها أكبر منك ومن مشاكلك الخاصة ومن الجميع، أنك عندما تكون ذا نفع لنفسك ولغيرك، وتسعى خلف هدف تتنفس المعنى من خلاله، يفقد كل شيء قدرته على ردعك وإحباطك، تتبدد قوة كل ما يقهرك بمجرد ما يلامس هالتك، فلا يصيبك منه سوى الفتات.

تصبح طاقتك الخلاقة التي تنتج بحماس، وتعطي بإيمان وحب هي محركك. وتصبح الأحكام التي كنت تتجاهلها وتخاف جبروتها صغيرة جدا أمام ما يشغلك، وكل أفكارك السامة ولومك لذاتك يستحيل تعاطفا ورحمة. ويقودك تجاهلك لضعفك وانقطاع وسائلك لنوع من الاستقلال العظيم وزهد عن الدعم والثناء والقبول. ويفتح تجاهلك لغلاظة البشر وقباحتهم وتكبرهم وسخافتهم في قلبك بابا لتقبل الجميع، ووعي حقيقي بأن لكل منهم قصة وأن الفصول بينها لا تتشابه.

إذا صاحب التجاهل هذا التحول العميق فينا، فلا يعدو كونه مرحلة مؤقتة ورفيقا رحيما يساعدنا على قلب صفحة ثقيلة على قلوبنا، حتى نفتح العيون على ما لا ندركه، ونفهم ونستيقظ، لكي نكبر ونبدأ من جديد.

إن التجاهل سبيل إن أحسنا المشي فيه، يقودنا برفق بعيدا عن قوقعتنا الصغيرة الهشة، نحو أماكن لم نستكشفها بعد، يعلمنا التأقلم ويحررنا من بحثنا البئيس عن الأمان ولو في العذاب والركود.

1xbet casino siteleri bahis siteleri