ارفع وعيك عوض سقف توقعاتك

أحيانا نعتقد أن الزواج والحب عبارة عن حياة وردية خالية من المشاكل والصراعات، لكن، إذا استحضرنا واقعنا فالزواج مسؤوليات وتنازلات. يمكن أن ينتج عنها مشاكل فهذا الأمر طبيعي، لكن، الحقيقة أننا نرتكب أخطاء كبيرة بسبب توقعاتنا العالية؛ نضع صورة نمطية للحب وللزواج الناجح، وكيف يتوجب على الطرف الآخر أن يتصرف وكيف يجب أشعر، وأن الزوج إذا كان يكن لي مشاعر الحب فمن الضروري أن يفهمني من دون أن أتحدث، ويعرف احتياجاتي، يكون عندنا نفس الذوق ونحب نفس الأشياء، وغيرها من السيناريوهات التي يكون مصدرها في الغالب الأفلام والمسلسلات، الأهل، المجتمع ومواقع التواصل الاجتماعي، وإذا تحققت التوقعات نضعف ويضربنا الإحباط وممكن يتطور الأمر إلى كره الزواج والشريك والحب وسيرة الحب.

أثبتت عدة أبحاث أننا كبشر لدينا توقعات عالية، خصوصا في العلاقات وهذا الأمر غالبا يعد سببا من أسباب الانفصال الشائعة. والفكرة عامة أننا عوض أن نتوقع توقعات مرتفعة، يمكن أن نبذل مجهودا أكبر ونتواصل مع الشخص، نعطي وقتا لمعرفته جيدا ونكون واقعيين وواضحين بشكل تلقائي، والنتيجة توقع توقعات واقعية ومعقولة دون انتظار الكمال من أحد، وكما قال محمد متولي الشعراوي: “من ابتغى صديقا بلا عيب عاش وحيداً، ومن ابتغى زوجة بلا نقص عاش أعزباً، ومن ابتغى قريباً كاملاً عاش قاطعاً لرحمه”.

ندرس لسنوات حتى يتمكن الشيب منا، نتخرج بحماس كبير متوقعين أن العمل ينتظرنا خلف تلك الشهادات، لكن الواقع مختلف تماما والحياة بعد التخرج تحتاج منا قدرا من المسؤولية والصبر. نخطط لكي نخرج في عطلة نهاية الأسبوع، ونتوقع أن الرحلة ستكون رائعة وأن المكان مميز وخيالي كما رأيناه في الصور، لكن إذا ما تحقق ذلك وكان المكان عاديا ليس كما تخيلناه، أو إذا حصل شيء بسيط غير متوقع، كأن نلغي الخرجة أو نغير الخطة ونذهب لمكان ثان نشعر بالاستياء والتذمر وتضيع حلاوة الرحلة.

مقالات مرتبطة

عندما نطلب التوبة من الله نتوقع أننا نمشي في طريق يرضي الله دون اعوجاج، وإذا ما وقعنا مرة أخرى وارتكبنا خطأ، نيأس من حالنا، ننسى أن كل بني آدم خطاء، قال تعالى: {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ} [فصلت: 6] إذا تمعنا في الآية نجد أنها جاءت لتضبط سقف توقعاتنا بأنفسنا، يعني حتى وأنت مستقيم توقع أنك قد تخطئ أو تقصر في أمر ما، وهذا التقصير يجبر بالاستغفار.

أتوقع أن تفرح أختي بالمفاجأة أو الهدية بعيد ميلادها لكن يخيب توقعي وتكون ردة فعلها عادية…صديقتي تزوجت ولم تخبرني لأحضر حفل زفافها وأفرح معها، أو أنها تجاهلت حضور حفل تخرجي، فأحذفها من قاموس علاقاتي… وغيرها من التوقعات. كل منا يلبس نظارات حسب هواه ليرى الواقع بالفلتر الموجود في تلك النظارة، أي حسب توقعاته غير المنطقية وغير الواقعية. وبالتالي كلما كبرت الفجوة بين التوقعات والواقع كلما زاد استنزافه لنفسه.

لذا، من الضروري أن نلقي نظرة عميقة على توقعاتنا وعلى الواقع الذي نعيشه، وكيف أن هذه التوقعات تأثر سلبا على حالتنا فتجعلنا لا نبصر سوى سوء الواقع. كما من المهم أيضا تحديد وإدراك ما نتوقعه بدقة حتى نعرف مدى واقعية تلك التوقعات. اسأل نفسك دائما ما إذا كانت توقعاتك يجب أن تكون بهذه الطريقة أم لا؟

وأخيراً، يجب أن نعي أن توقعاتنا التي ننتظرها سواء كان الأمر متعلقا بالمستوى الشخصي أو الاجتماعي أو المهني، هي تصورات ليست بالضرورة صحيحة وثابتة. وبالتالي وجب إعادة النظر في تلك الأشياء التي تقع تحت بند التوقعات، ووضع جميع الاحتمالات تحت أنظارنا لنحمي أنفسنا من البؤس المحتمل بعد بيان النتيجة، وإذا ما خالف المُتَوَقَّعُ الواقع وكانت النتيجة غير مرضية، لا أن نتوقع الأفضل فقط ولا أن نتوقع الأسوأ فقط، لأن توقع الأسوأ قد يجعلنا نغفل عن الجانب الإيجابي في كل الأمور ونحرم من لهفة الانتظار خوفا من الاصطدام بما قد لا يحدث فيُضيِّع الشخص فرصاً مهمة تصادفه في حياته، كما أن دراسات عديدة أكدت أن الناس التي تلهم نفسها بأن كل شيء رائع والمستقبل خال من الحزن والفشل والمشاكل، أكثر عرضة للإحباط والاكتئاب وقلة مناعة نفسية. سقف التوقعات لا بد أن يكون في المستوى الواقعي ويتناسب مع الوضع المحيط بنا، ارفعه للمعقول واخفضه عكس ذلك.