نتوارى لأمد طويل خلف الكثير من الأقنعة أو القوالب، إلى أن فقدنا لذة العيش على طبيعتنا والاتصال بذاتنا الحقيقة مع أنفسنا ومع غيرنا. في أغلب لحظات حياتك وفي أهم قراراتك وأبسط المواقف قد تجد نفسك دون اقتناع اتخذت قراراً بناء على القالب الذي صنعه المجتمع بدعوى أن تكون أكثر قبولا، تتخلى عن مشاعرك، تكبت وتخفي أحاسيسك خوفا من أن يتم تصنيفك أو أن ينظر إليك بصورة خاطئة. هي وسيلتك لترضي بها الأنا المزيف والغير ليتقبلك على غير حقيقتك، تتقمص، تكذب وتتصنع. حتى تصبح في كل مرة لاشعوريا تقوم بارتداء قناع، تلعب أدوار أشخاص آخرين وتلبس قوالب تناسبه. في مقابل ذلك، نخفي ما تحمله أنفسنا تتلاشى هذه الأخيرة متناسين حقيقتها.
عندما يولد الإنسان يأتي للدنيا بالذات الحقيقة، بكل ما تحمله من صفاتها الفطرية النقية، لكن المجتمع له تصور خاص عن الشخصية الصحيحة، وليس من الضروري أن يكون هذا التصور متوافقا مع تلك الذات، تكبر رويدا رويدا يكسبونك بشتى الطرق القدرة على رؤية ذاتك كما يرونها هم وليس كما تراها أنت. وكما هو متعارف، الإنسان يرى أن الحياة لها معنى عندما يتقبله الآخرون، لذلك فهو يسعى دائما خلف معتقداتهم لكي يلبي احتياجاته. لذلك غالبا ما يدفن الذات الحقيقة ويظهر بصفات ومشاعر ثانية ويعيش خلف الأقنعة بعيدا عما يريده محاولاً إرضاء غيره، كأن يختار ما يرونه أفضل لكي يكسب مدحهم وإعجابهم وأي شيء يشعره بالأمان الوهمي، وهنا تظهر الذات المزيفة التي يتم اكتسابها مع مرور الزمن وبسبب الإشباع من الصدمات تتغلف الذات الحقيقة، تبدأ بتكوين مجموعة الدفاع أو كما يطلق عليها حيل الدفاع لحماية تلك الذات ولعزل تلك المنطقة المظلمة بعيداً عن أنظار الناس.
تلبس الأقنعة خوفا من أن يتم كشف حقيقتها ومعرفة تاريخها القديم وصفاتها الخفية وغيرها من الملفات الداخلية في الذات الحقيقة لأجد نفسي كبرت، وأنا لست أنا لكنني أقول أنني أنا هكذا فعلا أكون.
ألم تفكر في يوم من الأيام أنه قد حان الوقت لإزالة ذاك القناع ومحاولة التقرب أكثر من نفسك، فلا نرهق أنفسنا ولا غيرنا باكتشاف حقيقتنا. لماذا نشعر أننا مضطرون للتصرف بطريقة معينة مخالفة لطبيعتنا؟ ولماذا قد نخجل من الظهور أمام الناس بشخصياتنا الحقيقة، التي قد تحمل الكثير من الكراهية والشر والحب أو قد تكون غريبة، قاسية، مخادعة، ضعيفة… وغيرها من الصفات التي نتهرب من إظهارها؟ لماذا قد يتحمل الواحد منا كل العبء من أجل إخفاء جزء منه أمام الآخرين؟ وفي المقابل يعجز عن محاولة البدء بمهمة تغيير تلك الصفات أو محاولة تقبلها في شخصيته!
مقالات مرتبطة
في الحقيقة، نحن اليوم أمام تحد كبير وهو العيش والتعايش مع حقيقتنا الكاملة، بكل تفاصيلها أن نكون حقيقيين دون تصنع أو خوف مما قد يقولونه عنا، ما الذي نحب وماذا نكره، طفولتنا أفكارنا مشاعرنا وكل شيء قد يخرج الجزء الخفي منا. الأمر صعب ليس بهذه السهولة حتى تكون أنت كل يوم، بكل ما تحمله من خير وشر.
كن متأكدا أن كل القوالب والأقنعة باختلاف أشكالها لن توصلك لنفسك ولا لقلوب الناس، وكلما تخليت عن حقيقتك كلما وجدت الآخرين قد ابتعدوا عنك، لكن إذ قمت بكسر تلك الصورة غير الحقيقية أي القناع الذي ترتديه كل الوقت لتحافظ على صورتك وقوتك أمامهم، كلما اقتربت من حقيقتك أكثر وتصالحت مع ماضيك وذاتك، احترمت خياراتك وتصرفاتك أمام نفسك وربك وجدت نفسك والآخرين أقرب منك دون أي تعب أو مجهود منك.
إن التغلب على هذا الأمر يبقى صعبا بين كل هذا الحشد الذي كبر معنا، إلا أنه يبقى ضروريا لاستكمال حياتنا بشكل صحي.
ثمة أشياء كثيرة يستطيع المرء أن يدركها متأخرا جدا، أولها كان ألا تكون حريصا على أن تكون مثلهم، أن تمسك نفسك بكل ما وجدت عليه والثاني احترامك لها الذي يبدأ من مدى تقبلك لسوء وقسوة المعارك التي جاهدت فيها طويلا، لعثراتك، أخطائك ولكل ما تحمله، حتى تتخلص من كل تلك الأقنعة التي فرضت عليك وتكون أنت.