إلى متى ستستمر التفاهة؟

أمسك قهوتي بيد وقلمي باليد الأخرى وأكتب بطريقة متداخلة وكأنني أحدث صديقا ما، أغضب وأستنكر، أسخر وأتأمل من حولي هذا العالم، أراقب المكان، الوجوه، الأصوات وطريقة الكلام، أنظر إلى نسخ متكررة وإلى الأشخاص التافهة، حتماً نفس الشيء. وأتساءل، كيف يستطيع المرء أن يصل إلى هذه الدرجة الكبيرة من التشابه؟ وحين أقول ذلك لا يعني المعنى الرائج للتشابه، بل أقصد عقليات متكررة في كل مكان، ونسخا عديدة من التافهين ذوي البساطة الفكرية، التابعين، وذوي السخافة أو تواضع المستوى الفكري.

سؤال يراودني ويزعج فكري، هل الكل أصبح مثل بعض؟ تشابه الشخصيات، غياب العقل النقدي، دعاة الخبرة، وهم الكاريزما، عطب المؤسسات، الفن الرخيص، الطبقية المالية وغيرها…بل والمؤسف في ذلك، الكثيرون لا يجدون حرجاً في اعتناق هذه الرداءة المجتمعية.

إن هذه الظاهرة مزعجة فكرياً بل وحتى عندما تخوض نقاشاً ما، تتوقع توقعاً قبلياً لموضوعه. المواضيع التي تثير اهتمام أغلبية الناس نساء كانوا أو رجالاً معروفة إلى حد ما، فتضطر أنت بدورك ممارسة قدر من العدالة والقيمة الأخلاقية التي تتطلب منك الاعتراف بموضوع النقاش بل وباعتراف سري داخل نفسك ودونما الإفصاح عليه أنك غير مهتم به أساسا.

مقالات مرتبطة

نحن نعيش مرحلة تاريخية غير مسبوقة، مرحلة “السيادة”، سيادة نظام أدّى إلى سيطرة التافهين على كل شيء، أصبح المرء يلحظ صعوداً غريبا لقواعد متسمة بالرداءة والانحطاط، تدهورت متطلبات الجودة، اقتصر الأمر في زمننا فقط بالخروج بمباشر على مواقع للتواصل الاجتماعي والتي لها دور كبير في انتشار التفاهة بين الناس، أو تعبئة طلب منحة بحثية ممولة من وكالة حكومية من أجل المساهمة في نشر الرداءة والتفاهة مقتنعين أشد القناعة أنها أعمال واجبة وهامة يقدمونها للناس ليقنعوهم وليقنعوا أنفسهم قبل كل شيء أنها أعمال واجبة وهامة ويجب تسديدها للناس فقط من أجل غرض ربحي وكذلك من أجل أن يحس بالبهجة والابتذال عند تخليد اسمه بأي شكل من الأشكال وأيا ما بلغ من فجاجة هذا الشكل أو سطحيته بل وقبحه. بل وحتى على حساب حياته الخاصة.

هذه المواقع التي ساهمت بشكل كبير في تخليد مشاهيرها ومؤثريها وتعطيهم الفرصة في أن يظهروا لنا بمظهر النجاح وإقصاء جميع معايير النجاح التي تعرفها البشرية ككل، ألغاها جميعها واختزلها في أشياء تافهة فقط بحيث أصبح الجميع يملك الرغبة في تقليد التفاهة والحصول على نفس الأشياء التافهة، ويعيش حياة تافهة.

ينبغي على المرء الرغبة الدائمة في التعديل، بتجنب الغباء ومحاربة التشابه وامتلاك مهارة التميز والاختلاف. ادع أنك شخص برغماتي، وكن مستعداً للتطوير وعدم الخضوع، فالتافهون يدعم بعضهم البعض ويرفع بعضهم الآخر. ليبقى السؤال في الأخير إلى متى ستستمر هذه التفاهة؟! وبوعينا بمدى خطورة السؤال هل سنحاربها ونسعى للتغير؟

في النهاية، ربما يقف الجادون وأصحاب الرأي الحرّ الآن في انتظار الخلاص والدعم في حربهم ضد التافهين. لكن وكما قال الفيلسوف الفرنسي آلان دونو وبكل أسى أنه: “لا يوجد دعم، أياً ما كان وزنه، يمكنه أن يحميك من عذابات الحياة اليومية التي تتطلَّب احتكاكاً -على مستوى التفاصيل- مع التافهين وضّيقي الأفق. كل اتصال اجتماعي، كل اجتماع عمل، كل معاملة رسمية، كل مشوار للسوق، بل وكل توقّف قصير في إشارة للمرور، سيحمل معه تحدّياً حقيقياً. أنتم فدائيون”.

1xbet casino siteleri bahis siteleri