وداعا رمضان!

لا يمكن أن يمضي رمضان دون أن أدوّن خاطرة تعبر عما يجول بخاطري من شعور بالمحبة لهذا الشهر وما يجول بخاطري خلاله وما يبعثه في أرواح الناس جميعاً من ود وحب وطاعة وأُنس وإنسانية.

عام تولى فجاء الشهر يطالبنا بالإقبال بصدق وإخلاص في العبادة وأن تطبع على جبينها السجدات عنواناً، عام من التيه واليأس يمر على المرء ليأتي ويحرره منه.

إن هذا الشهر يمدني بجرعة كثيرة من التأمل والنظر، النظر في الأشياء والوجود، التأمل في التغيير الجذري لأرواحنا وسلوكياتنا، النظر للوجوه الشاحبة؛ بعضها غاضبة والأخرى مرهقة من يوم طويل صابرة لتلبية أمر إلهي، كذلك الدقائق الأخيرة التي تأخذني للإبحار في أعماق الذات والنظر إلى الشمس التي تغرب معلنة نهاية يوم من الصيام. وساعات الاختلاء بالنفس وحسن انتقائها لمكان مريح متعطر برائحة المسك، وسط مكان يعمه الهدوء والصمت، لحظات لا يكاد يسمع فيها سوى صوت بعض قطرات من الغيث تهب من السماء تغلغل الكيان.

أتأمل فراغ الشوارع لحظة الإغاثة، فمنهم من هو مشغول بساعة الاستجابة ومنهم من هو على مائدة الإغاثة.
أنظر إلى الأيادي المرفوعة والسماء مفتوحة والمرء على يقين أن المناجات مسموعة، وبإذنه مقبولة، أنظر إلى ملحمة من الغرباء وأتأمل صفوفها وتراصها، بعدما كان لا يملأ المسجد سوى ثلاثة، والمؤذن والإمام. أتأمل أجواء الروحانية العميقة في شهر رمضان حيث تكون الروح منفتحة على تقبل الدين والخطاب الديني وتذوق محاسنه وملامسة بعض صور الجمال والتدين وما لدينا من ثروة جمالية.

إن رمضان هذه السنة كان مناسبة لعودة مجموعة من الأشياء التي افتقدناها لسنتين، لذكريات الشهر وروحانيته، لعادات وطقوس رمضان ولأشخاص هزت أشواقنا لهم هز الأراجيح، والتي معهم تسمو أنوار الروحانية وترقيها بالقراءات المتنوعة والأدبيات التي لطالما شغلت تفكير الأدباء والمبدعين منهم، الذين يحرصون على نقل منتجاتهم الإبداعية في هذا الشهر التي تساهم في توهج الحياة الثقافية وذلك من خلال إقامة الندوات والأمسيات التي من خلالها يتم التعبير على أن هذا الشهر هو فرصة أيضا لإحياء الطابع الثقافي كما الاجتماعي المتمثل في مبادرات الخير والتسارع والتنافس نحو تجهيز الإفطار وتقديمه، هذا الخير الذي لا يمكن إلاّ أن يكون نابعا من أعماقٍ تتنفس الإنسانية، من أعماق لا تهمها سلعة ولا مال ولا مضاربة ولا مزايدة.

ها هو رمضان قد تم ونحن مُمتنّونَ له وللأجواء التي تشق طريقها نحو أرواحِنا، ممتنّونَ لمبادراتِ الخَيرِ ولفاعليه، لصيامٍ فيهِ تصد الرُّوحُ فيه إلى اللّه، لرائحةِ خُبزِ السّحور، لموائدِ رمضان، لشهرٍ لا روتين فيهِ سوى العبادة.
مُمتنونَ نحنُ إلى اللّه، لنعمهِ الصغيرةَ قبل الكَبِيرة، فاللهم بلغنا رمضان بُلوغًا يُغيّرُ حالَنا ‏وأذقنا لذة الاستجابة بعد الإلحاح، وراحة اليقين بعد كل دعوة.

1xbet casino siteleri bahis siteleri