الطموح… حافزا لبلوغ الهدف

مرّ بِبالي وأنا أدون هذا المقال مرة طبيباً على موقع من مواقع التواصل الاجتماعي أتابعه منذ زمن، كان في فترة الدراسة يلهمني كثيراً شغفه بمهنته كان يدفعني للتساؤل آنذاك عن الدافع الذي يدفعه للقيام بكل هذا العمل بحب وشغف، وأحياناً على حساب راحته، ومن محاسن الصدف بعدها قام بخاصية سؤال وجواب على صفحته الرسمية وقد طُرح عليه نفس السؤال، فبدأ بسرد المشاكل والفوارق التي عاشها أثناء فترة تدريبه بالمستشفى وما كان يلاحظه في سلوكيات الفرد، ولا سيما كذلك المشاكل المادية، إلى أن أصبح الآن طبيباً ناجحا في مهمته. وفي جواب لسؤال آخر قال: “يجب أن تضمن علاقة جيدة بوالديك طوال فترة دراستك للطب حيث إنهم هم من سيتكلفون بمصاريفك طوال سنين دراستك للطب”. أضحكني وقتها قوله، لكن الآن وأنا أكتب أحسست بكل ما سرده…

عادة ما تكون فترة العشرينيات حقلا للتجارب الحياتية، قد تتخذ فيها اتجاهات عديدة وتبدأ معركتك نحو إثبات نفسك، الخروج من منطقة الراحة والمحاولة، ولقد بدأت معركتي الأولى في هذه الرحلة بالخضوع إلى فترة تدريب من أجل العمل الذي لطالما حلمت به.

أقضي ساعات أمام الحاسوب في مكتب قذر كل ما فيه، والجو فيه كثير الغبار خانق، الملفات التي أقضي الوقت بينها لرجال وسيدات الأعمال لكثيرة القذارة، الناس هنا كثيرو الحركة ويمتلكون قدرا عظيما من الأنانية الساذجة الصريحة، يظهرون كل ما في نفوسهم الصغيرة من نذالة وكل ما في قلوبهم الوضيعة من جبانة، هنا حقيقة الكل سوداوي المزاج، كل شيء هنا صريح وواضح، لا يستطيع أحد أن يخفي كيْده وغيظه، مما يدفعني للسؤال هل يستحق كل هذا الصبر من أجل أن أكتسب مهارات من أجل إتقان عملي حتى تحت عدم أي تشجيع لمن عُهد إليهم تأطيرنا؟

ولعل من بين الأشياء التي كانت تثير غضبي هو تحول المهنة إلى حِرفة؛ حيث صارت كل وظيفة ترى باعتبارها وسيلة لبلوغ الثروة، وكذلك تلك الطبقية الوظيفية والنرجسية التي غُرست في عقول البشر هنا، واعتقادهم بأن كبيرهم سناً هو فقط المتقن للحرفة، فعلى الكل الخضوع لأوامره وتعليماته، بمجرد أن يرفع نبرة صوته قليلاً حتى يصبح الجميع خاضعاً له خِشيةً من تعكر مزاجه، لتتضخم في الأخير أناه فيبادر لكسرك وجعلك تصدق أنك أدنى منه تجربة وتصرفا في إنجاز العديد من المهام، ينفذون في الأخير أوامره وهم منزوعو الحيوية باعتبارهم أن هذا العمل هو الوسيلة الوحيدة لتأمين وجودهم نفسه، والوسيلة التي يضمنون بها رأس المال ونموه.

ومن أجل استمرار العمل، يجب أن تفرض الهيبة على من هو أقل رتبة، وعلينا جميعا أن نوبخ بعضنا البعض، من أعلى سلم إلى أسفله… وفي ظل هذا الجو السّام والخانق من العمل إلاّ أنني أجدني وسط حشد من الأغبياء والذي عليّ التعامل معهم في كل مرة، أن أسمع للمحادثات التي تدور بين النساء داخل المكتب والتي لا تخلو من سيطرة ثقافة الخرافة والتفاهة، تجدهن يخضن صراعاً شرسا بينهن.

الكلام هنا يتكرر في كل مرة، فلانة تتكلم عن الفضائح ومؤثرين ومؤثرات الفضيحة، وفلانة تقضي الصباح كله تشتكي من زوجها وخلافها مع حماتها، وعن ابنتها التي جعلتها تسهر الليل بأكمله مما أفقدها حيويتها هذا الصباح… تجد أغلب المواضيع عن الرجال وعن أمهاتهم، وأولادهم، عن صيحات الموضى والجمال وعن وصفات تكبير المؤخرة والأرداف، الكل يتحدث في الآن نفسه وبدون إصغاء، بل كلما تفاخرت واحدة منهن تسعى الأخرى في التفاخر والتعظيم أكثر من الأخرى، حينها، لا أجدني سوى مجرد كائن يحاول الهروب، أتأسف لنفسي وأحاول طيلة الوقت أن أتجنب الغوص في النقاش… أقذف بنصف كلمة أحيانا ضمن السياق العام للمناقشة وحينئذٍ أهرول بنفسي إلى الكافتيريا أحتسي جرعات من قهوتي فهي أفضل من الجرعات التي يحتسين هناك، جرعات لا تزيدنهُن إلا سخافة وتفاهة، خشية أن ينطبق علي ما قاله نيتشه “كلما كان الإنسان اجتماعياً كلما كان عقله فارغاً”.

أُنهي دوامي تاركة خلفي خراباً أو بالأحرى أرضاً محروقة، هروبا لعالمي الهادئ بين الأشياء البسيطة التي حولي، أفكر في الأهداف التي باءت غير واضحة أمامي وما سأقبل عليه في أيامي، لآخذ في الأخير الطموح والرغبة المستمرة في تطوير ذاتي ومهاراتي حافزا لبلوغ الهدف.

1xbet casino siteleri bahis siteleri