القناع

خُلق الإنسان على هذه الأرض بأربعة ثوابت، من ضمنها تدافع الخير والشر في نفس البشر، وإن الذي خلقه بها قادر على أن يخلق له نفسا مُلْهَمة، أي على أشد استعداد للاختيار، إمّا الاستسلام للشر، أو تزكية النفس بإبداء ظاهرها مثل باطنها، أي أن يكون الصدق واضحاً في شخصيته وفي تعامله، مشاعره وأفعاله. 

لكن، كثيراً ما نخسر هذا الوضوح والصدق في رحلة الحياة بتخلي الإنسان عن مجموعة من القيم وعيشه شخصية غير شخصيته، فيرتدي قناعا يحافظ به على غريزته البشرية المتمثلة في البقاء والعيش على هذه الأرض وتحقيق احتياجاته الطبيعية، ظناً منه أن إظهار هذا الجزءٌ الفطريٌ من نفسه سيتسبب في معاناته وعدم تقديره من طرف الآخرين، والذي ينتج عنه في الأخير انعدام الصدق. حيث إذا وجد يكاد يصبح شبه غريب، وقد يكون من أغرب المشاهد التي يمكن أن تصادفها في حياتك هو أن ترى الغرابة في تصرف الإنسان على طبيعته، ظاهره مثل باطنه وبدون أي شكل من أشكال الادعاءات.

تمت الإشارة إلى كلمة قناع، ليس المقصود بها هنا الذين يلبسون ثياب الضأن من اللين وألسنتهم من العسل وقلوبهم قلوب الذئاب.. أتكلم عني أنا وأنت ممن نخاف في كثير من الأحيان أن نبدي شيئاً ما في شخصيتنا والتي تجعلنا لا نعرف العيش بسلام، فنلبس هذا القناع من أجل العيش بسلام. في حقيقة الأمر، هذه الأقنعة مرهقة للغاية لأصحابها، بل ومؤذية كذلك لِمن حولها.

الكثير منا قد عاش علاقة سامة مع إنسان ظاهره ليس كباطنه، يرتدي قناعا لكي لا يبدي ما يشعر به وتصدر منه تصرفات غير راض عنها. فقط لكي لا يبدي ما يشعر به، أو كعلاقة أب مع أبنائه الذي يرتدي قناع المتسلط، ذي المزاج السيء لكي يكسب احترام أبنائه ويمنع عنادهم، فيؤذي نفسه بعدم تحقيق احتياجاته المشروعة تجاه أبنائه ويؤذي أبناءه بإرثهم عن أبيهم المزاج السيء وانعدام المحبة، هذه العلاقات التي يتم هدمها من أحد الطرفين فقط لانعدام الصدق والوضوح فيها، صدق المشاعر وصدق المحبة.

كل هذا التضليل سببه الأول والأخير هو الخوف، الخوف من إظهار ذلك الجانب الذي لا يحبه في شخصيته هذه التي قد نسميها “شخصية الظل” التي يحسب أنها لن تخول له أن يعيش سعيدا، وعلى أن خصال الحنان والمحبة لن تكسبه احترام وتقدير الآخرين له فيسعى لدفن هذا الجانب ويدفن معها فن التناغم مع الحياة بتحقيقه لاحتياجاته المشروعة، كالشعور بالحب والرأفة، الاستقلالية والتقدير والسلام.

فعلاً، الأيام تنقش على الوجوه، نرى ملائكة ونرى وحوشا، فنحن في حياتنا اليومية قد نجد ضرورة لأن نغلف الذات الحقيقية بغلاف خارجي، ونلبسها قناعاً لتبدو مع العالم في مظهر لائق يتفق مع الجماعة. لكن ارتداء الأقنعة عملية محفوفة بالمخاطر، يحكمها في النهاية قانون السقوط، مهما تكن براعة من يرتديها. لكن، الأهم عند سقوطها أن يظهر ذلك الجانب الخفي، الجانب الطفولي، الراقي المحب والصادق من شخصيتنا وأن تخلق توازنا في شخصيتنا، أن نعيش بصدق وإخلاص لمن نحب باجتناب أذيتهم.

لنحضن أحباءنا، آباءنا وأطفالنا لتفادي خسارتهم، لنعد حيث يجب أن نكون، حيث السعادة والأمل، حيث الصداقة والطفولة. انتزع ذاك القناع المرهق وعش صادقا لترتقي في مراتب الصديقين وتبعث معهم.

1xbet casino siteleri bahis siteleri