هاهو رمضان قد تم

بدأ اهتمامي بالروحانية والصوفية اهتماماً يمتد وينحسر.. أوقاتاً تظهر فيه هذه الروحانية، ألمسها وأتذوقها، وأوقاتا تتلاشى وتبدو خافتة تختبئ خلفي، لكنها لا تختفي أبداً من كل مراحل حياتي… في رحلة حياتنا دائما ما نسعى إلى تحقيق التوازن الجسدي والروحي مما يجعلنا قادرين على الاستمرار لعيش هذه الحياة والاستمتاع بها، أن يجد المرء ذاك التوازن القوي الذي يجعل الروح صافية نقية وسامية، والجسد سليم معافى، ولكننا في رحلة الحياة كثيراً ما نخوض معارك طويلة لا نهاية لها، تصيبنا تشنجات تُعري أرواحنا وتلقي بها جاثية على الأرض كالرميم.
رمضان في خاطري فرصة لجمع رميم القلب والروح والجسد، يأتي في وقت تحس فيه أنك على على الحافة الانهيار يشرق عتمة القلب بالارتباط الروحي القوي بالخالق وبإحياء جو من الروحانيات، وعلى الرغم من اختلاف تعريف مصطلح الروحانية من شخص إلى آخر لكنها وبشكل عام البحث عن ذاك النور الإلهي ونافورة حبه اللامتناهي الذي يدفعك إلى محراب العاشقين لتطرق بابه. وتَمرغ على أعتابه، تمضي إليه تاركاً عقلك وراءك مصطحبا روحك التي طال انتظارها لتحيا من جديد.
مقالات مرتبطة
رمضان في خاطري يرجعني إلى ذكريات الطفولة، كانت أمي تستعد لرمضان وتعدنا من الناحية الروحية باعتبارها رمضان هو بلسم الوحيد لما أفسدته الأيام الفارطة، لتضميد ولجمع رميم الروح والقلب، كانت تحثنا دائما أن هذا الشهر ليس شهرا لتنويع الطعام والأزياء التقليدية، ليس شهرا نجوع صباحا ونأكل بشراهة مساء، بل شهر تحيا فيها العظام وهي رميم وتسقى تربة قلوبنا لتثمر سائر أيام السنة.
وما إن أوشك ضيفنا على الرحيل بكت أمي ومعها حزنا لفراقه كما تدمع عين الوليد لفراق أمه لما يتركه من خير وبركة. ها هو رمضان قد تم ويكاد أن يكون أسرع رمضان مر على مر التاريخ. سنشتاق إلى صباحات رمضان الهادئة، وإلى الوجوه الشاحبة المرهقة الصابرة لتلبية الأمر الإلهي، إلى ساعة الإفطار، إلى تأمل منظر الشوارع الفارغة، إلى موائد الإغاثة…إلى ليالي رمضان… إلى الأيادي المرفوعة إلى السماء إلى صوت دعاء مُلح وإلى ملحمة من الغرباء وهي متراصة في المساجد.
ها هو قد تم ولعل ما يجعل هذا الشهر محبوباً هو ذاك المدد الذي يمدنا به وذاك التغيير الجذري لأرواحنا، ففيه تحيا الروح باتصالها إلى السماء وفيه من المحبة والسلام ما يعجز اللسان عن وصفه، تهتز فيه الأرواح وتطير بغير جناح… فيه يتجه القلب إلى الله، كل الرسائل والانتظارات والأحزان توجه إليه، نقف على أعتاب بابه الواسع الكبير الذي يتسع لجميع الخلائق. رمضان هو بلسم لما أفسدته الأيام الفارطة، لتضميد ولجمع رميم الروح والقلب، رمضان فرصة مهداة على طبق من ذهب فرصة لإمعان النظر والتأمل فرصة لجمع رميم ما هدته ظروف الحياة وللتخلص من الفوضى الذي نعيشها باستمرار، فرصة لإحياء العظام البالية التي همشتها الأيام.
1xbet casino siteleri bahis siteleri