عروج ريس: أمير البحر الذي أصبح قرصانا

ْ
تتصدر أخبار القنوات الدولية في الأسابيع الأخيرة مناوشات البحر الأبيض المتوسط، بين تركيا من جهة، واليونان وقبرص ومصر والاتحاد الأوروبي بقيادة فرنسا وألمانيا وأمريكا (أي بقية العالم) من جهة أخرى.

تحاول تركيا فرض حقوقها في الملاحة والتنقيب البحري، عبر إرسال سفن تنقيب عن الغاز والبترول في أعالي البحار مدعومة بحماية من البحرية العسكرية، بينما يعتبر المعسكر المناوئ أن ما تقوم به تركيا استفزاز وتعدٍّ على حقوق اليونان البحرية.

ما يهمني في الموضوع ليس القراءة الجيوسياسية للأحداث، ولا الاصطفاف الإيديولوجي، بل تفصيل صغير له خلفيات مهمة. اسم السفينة الضخمة التي زجت بها تركيا هو: Oruç Reis أي عروج ريس.

وعروج هذا، قائد عسكري بحري عثماني من القرن 15م، كان معاصرا لمرحلة ما بعد سقوط الأندلس، وطرْدِ الموريسكيين من الجزيرة الإيبيرية نحو سواحل الشمال الإفريقي. بسط عروج سلطة الإمبراطورية العثمانية على سواحل تونس والجزائر، وكانت تلمسان نقطة انطلاق سفنه لنجدة المسلمين الذين تعرضوا لجور محاكم التفتيش الإسبانية قتلا وتنكيلا، ثم رُمي بهم في البحر لتتولى السفن الإسبانية والبرتغالية استكمال نهبهم. كُني هذا القائد بـ “بابا عروج” وقُتل في تلمسان في معركة برية فاصلة ضد القوات الإسبانية المدعومة بحكام تلمسان الراغبين في استرجاع ملكهم؛ ليخلفه أخوه “خير الدين ريس” الذي أحكم السيطرة العثمانية على السواحل والبحر إلى حدود القرن 19، حين احتلت فرنسا وإيطاليا وبريطانيا سواحل شمال إفريقيا.

مقالات مرتبطة

لنُعرج الآن مع عروج، بعد هذه اللمحة التاريخية المقتضبة على الصناعة السينيمائية الغربية؛ أغلب أطفالنا يعرف شخصية Barberousse le pirate أو Barbarossa، وهو في المخيلة الجماعية لمتابعي ديزني وهوليود وباقي الإنتاجات الغربية قرصان شديد المراس، يسطو على السفن ويمخر عباب البحار بحثا عن الذهب والنساء الحسناوات. كلمة “بارباروس” هذه، هي الترجمة الغربية لبابا عروج، وجاء هذا التحوير مناسبا للاتينيين لمصادفته معنى آخر وهو Barbe rousse أي اللحية الحمراء، فصار عروج هو القرصان صاحب اللحية الحمراء الكثة.

في فيلم الخمسينات the pirates of the seven seas للنجم John payne مثلا؛ تتلخص قصة بابا عروج في قرصان يسطو على سفن المسلمين المغاربة، ويحرر رهائن إسبان، ليسقط في حب إحدى الكونطيسات الإسبانيات الجميلات…أي تماما عكس الوقائع التاريخية.

استطاعت هوليود؛ عبر رشقات متتالية من الأفلام الضخمة؛ أن ترسم معالم شخصية جديدة ترسخت ربما للأبد في مخيلة الصغار قبل الكبار. وليس بابا عروج سوى مثالا من أمثلة عديدة، استطاع الغرب خلالها، عبر المال والإبداع، فرض رؤيته التاريخية الأحادية لشخصيات غربية ومُسلمة على حد سواء.

حين أشرح لأبنائي العمق التاريخي لشخصية مثل عروج، فليس ذلك من باعث الاصطفاف الفكري فقط -نعم، لأنني لمن يجهل ذلك، في نفس سفينة الريس عروج الإيديولوجية-، بل كذلك انتصارا للأمانة التاريخية، وربما أيضا عرفانا لمن قد يكون أسدى لك معروفا. فمن يدري؟ ربما يعود فضل تواجد بعض العائلات ذات الأصول الموريسكية التي تعيش بيننا الآن في المغرب لبابا عروج الذي قد يكون في زمن غابر، أنقذ أجدادهم من الهلاك في بحر ما بين العدوتين.

1xbet casino siteleri bahis siteleri