رسالة مفتوحة إلى السيد الكوفيد

في غفلة من الجميع، تركْنا الحديث عن مشاريعنا الحياتية الضخمة جدا، وعن الأوراش العظيمة التي كنا نرتب لها بكل إحكام وتحكم في التفاصيل. ترك العالم أيضا الحديث عن حديث الساعة، لم تعُد المبارزة بين الدول “العظيمة” تجلب أي متفرج، وأصبحت مناطق النزاع حيث يموت بعضهم هنا وهناك، بالكاد تحصل على بضع ثوان يتيمات في خواتيم النشرات الإخبارية. لم نعد حتى نتذكر من تأهل إلى الأدوار المقبلة في كرنفالات كرة القدم…كأس أبطال أوروبا وكأس أبطال أفريقيا وكأس الاتحاد الأوروبي…جميع الكؤوس شربت من كأس الإهمال وهَوَت في قائمة الأولويات إلى الدركات السفلى.

سَمعتُ أن صِنفاً جديدا من “الحْرَّاكَا”، رفض العودة إلى بلده الموبوء بعد أن نفذت “فيزتُه”، و”قَطَّع” الأوراق ليلوذ بالعالم الثالث أو الرابع وما يوفرُه من أمن وأمان وصفاء صدر ونقاء هواء. لا شيء جديد هنا…لا شيء جديد سوى لَوْن “الحرَّاك” الذي لم يعد داكِنا بما يكفي كي يتم رميه في البحر الأبيض المتوسط، أو في أحسن الأحوال الزَّجُّ به في مراكز الاعتقال، تمهيدا لترحيله إلى عالمه الأول.

لم يكن أحد يتوقع أن حَساءَ خُفاش أو عِناق ثُعبانٍ في أقصى شرق الأرض، سيكشف سَوءة الجميع، خصوصا أولئك الذين هم في أقصى الغرب…قرصنة للكمامات في مهابط الطائرات، ومُضاربة على قِطع قُماشٍ صارت فجأة إكسير الحياة، وطوق النجاة.

يستغيث بلد جيرانَه ويستجديهم في بضع آلات عسى أن ينقذ بها أرواح مواطنيه، حالفا لهم بأَيْمانِ معاهداتِ الاتحاد الأوروبي، وقَسَمِ شنغن الغليظ، فيأتيه الجواب من بعيد عبر منصة التواصل الرقمي: نفسي نفسي.

من أين جاءنا هذا الصُّعلوك المجهري ليُنكِّد علينا ما كُنا فيه من نكد؟ غير آبهٍ بشرطة الحدود وإجراءات استخلاص التأشيرة ولا بالحراسة المشددة جدا حول الشخصيات المهمة والبنايات المُحرَّمة؟

من أين جاء هذا المتعجرف الصغير الذي أَدخَلَ الجميعَ جُحرَه وحاصَرنا داخل جدران بيوتنا؟ بعد أن قيل لنا أننا نحاصره؟ من قال له أننا كنا بحاجة لترك أشغالنا الكثيرة الهامة جدا، والجلوس مع أبنائنا وأهلنا؟ من أفشى سرنا لديه؟

هلا أخبره أحد أن طَرْحَ الموتِ جانبا كاحتمال غير وارد، أَحَبُّ إلينا من تَحسُّسِه على أكُفِّ من نحبهم، ومقابض الأبواب وأزرار المصاعد؟

أخبروا هذا الشيء إن كان يفهم أو يَعقل، أننا فهِمنا الدرس، واستوعبنا التوبيخ فليتوقف، توسَّلوا إليه إن كان له قلبٌ بأن يعيد لنا زحمةَ الثامنةِ صباحاً وضغط العمل وأنشطة نهاية الأسبوع المُرهقة.

نريد أن نتناول مضادات اكتئابنا كما العادة، وأن نُقارع ضغط الحياة بمضادات القلق، وأن نواجه قسوة الدنيا بالإدمان عليها، ودُنُوِّ شبح الموت بالتغافل عليهٍ…ذلك أرحم لنا من أن نُرى وجوهَنا في مرآة!

1xbet casino siteleri bahis siteleri