مجتمعات العادة قبل العبادة

عندما نتكلم عن المجتمعات العربية فإننا نسلط الضوء على أمم تعاني الويلات على مستوى بنيتها الاجتماعية، و قد يرى الملاحظ أن جل الأسباب وراء هذا التقهقر تكمن بالخصوص في طبيعة التنشئة الاجتماعية للأفراد فنرى العديد من الحالات لشباب في ريعان شبابه يميل للخروج عن القانون و شباب آخر ذو خلفيات أصولية راديكالية مناهض للإختلاف و التعايش بإسم العبادة و الدين.. و قد نعزي هذا الأمر لعدم تلقين الجيل الحالي و الأجيال التي خلت لتربية متكاملة بل و على العكس من هذا فالتربية المجتمعية تعيش على وقع اختلالات شتى معرفية سلوكية و دينية انطلاقا من بعض البيوت وصولا الى الفضاء العام.

إذا ما تعمقنا في هذا السلوك المجتمعي سنجد أننا نعيش أزمة قيم خانقة، هذه الأزمة التي جعلت من البشر كائنات تتجرد من انسانيتها و إيمانها و كل ما يربيها لتضحي أشبه بحيوانات غابوية غبية إيمانها لا يتعدى ألسنتها و بعض العادات الفلكلورية الدينية الروتينية.
فذاك الجار الذي يؤذي جاره على طول السنة تراه يوم عيد الأضحى يقتني كبشا بثمن ثلاثة في حين وجود أشخاص آخرين ليس لهم القدرة على شراء أضحيتهم، و ذاك الإنسان الذي يمضي يومه في شهر رمضان بالسب و الشتم و يجلس على مائدة الإفطار كالرهط بدعوى أن الصوم و العياء يثيران سخطه، و بعيدا عن المناسبات و على غرار الأيام نرى أشخاصا لا يتعدى إيمانهم بضع مظاهر خداعة فحتى ألسنتهم التي ربما تكون تنطق بالحق أصبحت ألسنة سامة تنبش في أعراض الناس و تهاجم هذا و ذاك بإسم الإسلام و أخلاقه، مع العلم أن الأخلاق ليست حكرا على المسلمين بل و إن قمت بمقارنة المسيحيين و أصحاب المعتقدات الأخرى في أوروبا مع أصحاب الفكر الأصولي هنا في المجتمعات العربية فسترى أنهم أفضل حالا من حيث التعايش و تقبل الآخر، أتذكر بعد حادثة “شارلي إيبدو” كنت قد رأيت برنامج جال في شوارع فرنسا لاستقاء بعض الآراء حول احترام عقيدة المسلمين و أجمع الأغلبية على أن المسلمين هم جزء لا يتجزء من المجتمع الفرنسي و أن هذا يوجب احترام عقيدتهم و عدم مساسها بمكروه، الآراء التي ناهضت احترام معتقدات المسلمين كانت من طرف أشخاص ذوي أصول عربية و الأمر ربما يرجع إلى حقدهم لكونهم عانوا سابقا من عدم احترام معتقدهم.

مقالات مرتبطة


أتعلم! تعال يا أخي إلى المجتمع المغربي كمثال، “تلك الفتاة تلبس ما يحلو لها هي عاهرة بغض النظر عن معتقدها و يجب ضربها، ذاك الرجل دخل للكنيسة هو كافر بغض النظر عن سبب دخوله للكنيسة و يجب هدم تلك الكنيسة من الأصل، ذاك الطفل يلهو مع ابنة عمته لوحدهما بالغرفة.. لا تتركهم لوحدهم فربما يقع شيء بينهما ولو أن كلاهما لم يتجاوزا سن العاشرة، ذلك المغني شاذ، ذاك الطيب الحنون متملق (عنيبة)، تلك السيدة التي تشتغل لابد و أنها قد قامت بفعل شنيع كي يتم قبولها، ذاك الشخص أصبح ملحدا اذا يجب ضربه و قتله، المسلمون في بورما يتعرضون للضرب من طرف البوذيين لكن المسلمين لم يقتلو أي أحد لأن داعش لا تمثل الاسلام.. ” و تتعدد مظاهر الفوضى الفكرية في هذا المجتمع بغياب الإيمان الحقيقي، الإيمان بالإنسانية و مقابلة الشر بالخير و احتواء الآخرين رغم اختلافاتهم و حب الخير لأخيك عملا بوصية رسول الإسلام محمد (ص) “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه” عوض أن نرى هذا يضرب ذاك من اجل لقمة عيش كانت لتكون سهلة المنال لو تعاونا.

لن تتقدم شعوبنا إذا ما ظل إيمانها مقتصرا على صوم 10 ساعات يوميا و إيذاء الآخر طوالها، ولا بشراء كبش أكبر من كبش جارك المسكين، ولا بالذهاب كل جمعة لتصلي و تتدافع عند باب المسجد، الإيمان الذي من شأنه أن يعلي الإنسان و المجتمعات هو الإيمان بالإنسانية، الإيمان بأن الله الذي نعبده هو جزء منا و بداخلنا و بداخل الآخرين، و أن إيذاءهم فيه إيذاء للخالق بغض النظر عن معتقداتهم حتى و إن كانت لا تؤمن بوجود الإله.
واجبنا كي نعيش بسلام هو أن نعبد الخالق في العباد و أن نبني الإنسان قبل بناء البنيان، أن نربي جيلنا الصاعد على الاحترام و حسن الظن بالآخر و كل القيم السامية التي بدت و كأنها تنقرض على غرار الديناصورات، هدفي من كل ما ذكرته هو أن نخلق مجتمعا سعيدا هنيئا غير فوضوي يحيي الأرحام و يساعد الضعيف و يحترم أفكار الآخر و ظاهره و لا يطلق الأحكام على الأشخاص من منظور ضيق كعنق الزجاجة، مجتمع مؤمن باختلاف نوع الإيمان، ينظم نفسه دون الحاجة لرحمة مسؤول أو مساعدة فاسد، الأمر الذي لن يتأتى إذا ما ظللنا مجتمعات العادة قبل العبادة فما قولكم يا أصحاب السعادة ؟

1xbet casino siteleri bahis siteleri