وعن شبابه فيما أبلاه

“العشرينيات” العمر الذي نسمع عن زهوره في الكتب، وعن جماله من أفواه الشيوخ، وعن ألف طريقة لاستغلاله في فيديوهات المؤثرين. عندما تصل لعمر العشرين تنسى كل ما قرأته وسمعته ودونته حتى تعمل به، وتجد نفسك وقد تهشمت تلك الصورة المثالية المكتسبة عن هذه الفترة من العمر، وليس أمامك إلا حقيقة واحدة أنك قد ازددت في العمر بضع سنين، وعليك أن تصنع بنفسك صورة خاصة لك عن الشباب تضيفها إلى قائمة التجارب والحكايات!

فيما يلي، نضع أمامك عزيزي القارئ بعض النقاط المهمة عن سن الشباب بصفة عامة سواء أ كنت عشرينيا أم لا.

  • ما هو النجاح؟

هل سألتَ نفسك يوما عن مفهوم النجاح بالنسبة لك؟ هل تخيلت أن لو تم عزلكَ عن هذا العالم وسؤالك عن طموحاتك الحقيقية -دون مؤثرات خارجية-، ماذا سيكون جوابك؟ هل امتلاك قناة على اليوتيوب وأكثر من 10 آلاف متابع على الإنستغرام والتزامك بوضع صورك مع كتاب وكوب قهوة بشكل يومي.. هو الصورة النمطية للنجاح؟ أم أن عصر الصورة قد فعل فِعلته بك وأغرَّ عقلك بصورة مُضلَّة عن معنى الفلاح والنجاح؟ ما الذي تطلب؟ ما الذي تريد؟ ما الذي تفرح به؟ ما الذي تحزن على فواته؟ ما الذي تسعى لتعويضه؟

هذه الأسئلة -وغيرها- هي ما يساعدك على معرفة ذاتك وطموحاتك وأهدافك، وليس ما يطلبه الناس مني؟ ما الصورة التي يجب أن أكون عليها مجتمعيا حتى أكون ناجحًا؟ ما الذي يجلب الأضواء أكثر حتى أكونَه؟ “إن وضع تعريف واضح للنجاح هو نقطة البداية”، ولعل من أهم مرتكزات هذا التعريف أن يتوافق مع مبادئك وقيمك الدينية والأخلاقية، ولن أستفيض في الحديث عن هذه النقطة، ولكن سأذكر مثالا على ذلك.

  •  تجربة شخصية

مع بداية الحياة الجامعية، تتوضح لك الحياة بصورة أخرى لم تكن قد عهدتَها من قبل – خاصة وأن هذه المرحلة مرحلة الاستقلال المادي والمعنوي عن الأهل-، فتصبح بذلك مسؤولا عن كل خطوة في طريقك بدون وجود إرشاد أو توجيه يومي يذكرك بالوجهة الصحيحة التي يجب السير عليها.

الجامعة هي خليط من الثقافات الفكرية، إذ تجد كل مجموعة من الطلاب متقوقعة على دائرة من المعتقدات التي اكتسبتها من المحيط أو تأثرت بثقافات أخرى أو غير ذلك.. وهنا تصبح القاعدة: “الهيمنة للأقوى”، ولا نقصد هنا بالقوة القوة الجسدية، وإنما قوة النفس، إذ كلما ازداد تشبتك بمبادئك ومعتقداتك زاد ثباتك عليها ويقينك بصحتها. ولا يمكن أن تجد شخصا عالما بعقيدته ثابتا عليها يركنُ لأي جهة عقدية مخالفة كيف ما كانت. فعلى سبيل المثال، لن تجد فتاة محجبة عن محبة وطاعة لله عز وجل واقتناعا بفضل عبادتها تخلع حجابها مع أول انفصال عن محيطها المحافظ تحت مسمى الانفتاح على صداقات جديدة أو الاندماج في المحيط الجديد!

  •  {قل هذه سبيلي}

كما سبق الحديث عن أهمية تحديد الرؤية، والمنطلقات، والأهداف والإيمان بها، فإنه من الضروري كذلك الإشارة إلى أهمية الإيمان بالأسباب المتخذة في سبيل هذه الأهداف؛ عندما تحدد وجهتك، فأنت تعرف مسبقا أن طريقك هذا يحتاج إلى بذل ثمن معين مع كل خطوة نحو الأمام، يحتاج إلى أن تتخلى ربما عن جلساتك المسائية اليومية رفقة أصدقائك، أو قضاء الساعات على مواقع التواصل الاجتماعي دون فائدة… لذا فأهم نصيحة نقدمها لك في هذا الباب: “لا تلتفت إلى طرق غيرك”؛ فما دامت الأهداف مختلفة، فنتيجة حتمية لذلك أن الطرق المسلوكة ستكون مختلفة.

وقد جاءت هذه النصيحة بصيغة الوحي: {لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِۦٓ أَزْوَٰجًا مِّنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} [الحجر:88]، لا تمدن عينيك إلى ما هم فيه من متاع ولهو، بل انشغل عن ذلك بإصلاح دربك وبناء ذاتك وإعمار الأرض التي جُعِلت فيها خليفة.

  •  {ربكم أعلم بما في نفوسكم}

“كلما خفض سقف التوقعات في داخلك، كان التحصيل ذا جودة أعلى”؛ ومعنى ذلك أن لا تنتظر من أحد بعينه التقدير والامتنان على ما تقدم في سبيل أمتك، لا تنتظر من المجتمع أن يصْدَع بما اكتسبت من علم ومعرفة وظفتهما في خدمته وبنائه حق البناء؛ قد تتساءل: أو ليس التكريم لجهدي نتيجة طبيعية من قِبَل من أسعى لأخدمهم؟

الجواب: نعم، وهذا هو الأصل. ولكن ليس هو مبتغى المؤمن ذو الهدف الرسالي، ففي أحيان كثيرة قد لا يُقَدر الناس مواهبك وخدماتك إلا بعد فوات الأوان، وأحيانا بعد موتك!

لذا، لا تجعل كل طموحاتك تتركز على صورتك لدى الناس وفي وسائل الإعلام والتواصل، فكم من تافه معروف عند الناس لا قيمة له عند رب العالمين، وكم من مجهول في الأرض مذكور في السماء.

مقالات مرتبطة

ويلخص ما سبق قولة د. عبد الرحمان السميط رحمه الله: “نحن لا ننتظر شهادات من أحد، نحن عملنا في الميدان، وننتظر من الله فقط أن يتقبل منا.”

  •  ولن تُحصوا!

لا تكن طمَّاعا بجرعات زائدة؛ لا يعني ذلك تثبيط عزيمتك أو طموحاتك فأن تكون طموحا أولوية في طريقك، ولكن التشتت الذي قد يصيبك أحيانا وأنت في منتصف رحلة من رحلات العمر، قد يكون سببه أنك لا تولي وجهك شطر نقطة واحدة كبرى، هدف واحد مركزي لتلك الرحلة. أن تكون رؤيتك واضحة لنقطة الوصول أمر ضروري، بمعنى أن الواجب هو إعطاء الطريق حقها من البذل والعطاء و”التركيز”. وتذكر: أن تموت وأنت على الطريق خير لك من فناء عمرك بين اتجاهات عديدة دون جدوى.

  • الزم ثغرك

حقيقة أن المؤمنين كالجسد هي من صميم إيماننا، ولكن كيف نوظفها في تفعيل أدوارنا لخدمة هذا الجسد؟ الجسد بطبيعته يحتاج إلى كل عضو من أعضائه للعمل بشكل جيد، فكذلك الأمة تحتاج إلى كل فرد من أفرادها للوقوف على ثغر معين والعمل على سده؛ فإن كان فلان قد نجح في المجال أ، وفلان تميز وأبدع في المجال ب..فهذا لا يعني أن نجاحك مقرون بهذين المجالين فقط. فقد تتميز فيهما أو في غيرهما، كما قد يكون لك إنجاز في جانب معين -من إحدى المجالات- لم يعمل عليه أحد قبلك.

الفكرة هنا باختصار: أن تبحث عما يناسب قدراتك وما جعل الله عز وجل فيك من خير، وتُطوّر هذه القدرات حسب ما يتطلب هذا المجال، وتضع بذلك بصمتك الخاصة في إصلاح “الجسد الواحد”.

  • واعط كل ذي حق حقه!

لن نطيل كثيرا في هذه الفكرة، فبقدر وضوحها بقدر تفريطنا في “إعطائها حقها”! التوازن هو مدار النجاح، واعلم أن كل جانب تغذيه وتعطيه حقه في البناء (الأسرة، بناء الذات، الجانب العقدي، العلاقات الاجتماعية…) سيعود عليك بالنفع في طريقك عاجلا أو آجلا. وفي الجهة الأخرى، كل جانب تهمله سيُحدث لك شرخا ربما لا تستطيع جوانب أخرى ترميمه أبدا، فانتبه!

  • {ولتنظر نفسٌ ما قدمت لغد}

“مشروع العمر”…خذ بعض الوقت للتفكير في ثقل هذه العبارة قبل أن تكمل القراءة! فما مشروع العمر؟ مدار الفكرة هنا أنك مطالَب بأن يكون لك شيء؛ بأن تترك أثرا ينفع من بقي بعدك؛ بأن يكون لك مشروع حياتيٌّ تستثمر فيه جهدك ووقتك وطاقتك وفكرك وأنت على يقين أن الأمة في حاجة إليه.

فمن الناس من كرَّس حياته بأكملها في الدعوة إلى الله وجعل من ذلك مشروع عمره (د. ذاكر نايك)، ومنهم من سلك الطريق إلى تحرير بيت المقدس (صلاح الدين الأيوبي) لعلمه بعظمة هذا الأمر ومركزيته، ومنهم من جعل تعليم القرآن مشروعه، وآخر عمل على إنشاء ذرية طيبة صالحة، أو إثراء المكتبات بكتب العلم النافع… ما يهم أن أثر هذا المشروع يبقى ما بقيت الحياة على هذه الأرض وأن لا يتوقف على حياتك أنت كشخص.

  • لماذا مشروع العمر؟

ببساطة حتى لا تعيش حياتك كإنسان “فارغ” تتساوى حياته بمماته. إنسان لم يقدم من نفسه شيئا!

  • من أين أبدأ؟

الجواب عن هذا السؤال بالذات ليس بيد أحد سواك! ابدأ مما لديك؛ ابحث، اقرأ، تعلم، افهم الواقع الذي تريد أن تنزل مشروعك على أرضه، اجرد نقاط ضعفك وقوتك واستثمرها لصالحك، ثم تحرك. باختصار: استعن بالله ولا تعجز.

ختاما، لا نجد حديثا أفضل لنختم به خيرا من كلام خير الورى صلى الله عليه وسلم: “لا تَزُولُ قَدَمَا الْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ , وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاهُ , وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ , وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ”. أ سمعت: عن شبابه فيما أبلاه!! لا تدع أثمن مرحلة تملكها تضيع وأنت في مستنقعات التفاهة.

1xbet casino siteleri bahis siteleri