قراءة في رواية بيت خالتي لأحمد خيري العمري

“عندما عرفت تفاصيل ما حدث، لم أستطع أن أواصل حياتي كما لو أني لم أعرف…ألم المعرفة كان مختلفا. يثقل الروح والجسد معاً.” هكذا كان شعور يزن بعد معرفته لأحداث (بيت خالتي)، وبعده كل من قرأ وشاهد وصار له علمٌ بما يجري هناك.
“بيت خالتي”، للكاتب العراقي المتميز أحمد خيري العمري الذي عُرِف بمنحاه التجديدي في الفكر الإسلامي، ومخاطبته في أعماله؛ كتبه ورواياته ومقالاته الفكرية والأدبية، للشباب بشكل أول. لربما كانت النقطة الأخيرة أهم ما يميز هذا الكاتب بالذات، وهي التي حملتني على البحث عن كتب وروايات له فقط بعد قراءة كتابين له ومعرفة أسلوبه في نحت أفكاره على عقول القراء.
“بيت خالتي” هي تسمية يطلقها السوريون على معتقلات نظام الأسد، وسنجدها في الرواية عنوانا لفيلم يعرض معاناة وويلات العذاب التي يعيشها السوريون في معتقلات النظام. “بيت خالتي، الأسوأ من أوشفيتز” هو الاسم الذي اختاره أنس -أحد شخصيات الرواية- على فيلمه الذي يعرض نماذج من شهادات لمعتقلين رجالا ونساء وشبابا سابقين. “لم نعد أشخاصا لدينا أسماء، بل أصبحنا مجرد أرقام لأشياء.” “كنت محاصرة بكل شيء. الجيش في الطريق إلى الحمام، أصوات التعذيب القادمة عبر الممر، ألم الورك.” “كنت متأكدا من أني سأموت…تصورت أنه لن ينجو أحد.” “كنت أشعر أني داخل مسلسل رعب بلا حلقة أخيرة. أحسد من تأتي حلقتهم الأخيرة بالموت.”
شهادات وقصص واقعية لأشخاص عايشوا جدران السجون السورية، وبعضها شهادات لأشخاص مروا بوقائع مشابهة. والهدف منها واحد: أن تكون بمثابة رسالة استغاثة للإنسانية جمعاء، رسالة لكل رمادي/محايد للإيمان بالثورة السورية قبل البحث عن طريقة لتغيير الوضع والتي تنتهي غالبا باليأس من عدم القدرة على التغيير!
يمر القارئ بأجواء درامية بين شخصيات الرواية:يزن، نور نجار، كنان أصفر… الذين تنشب بينهم علاقات تتطور بتطور أحداث الرواية. كما أن منهم من يمثل رموزاً للثورة السورية ومدافعين عنها، ومنهم من لا يكترث لما يقع -كما هو حال الكثيرين منا-، ولربما كان هذا التنوع في تفكير الشخصيات هو ما ميز الرواية وأعطاها طابعا خاصا.
مع إنهائك لهذه الرواية -وأتحفظ من وصفها بالرواية لولا الشخصيات الخيالية التي تقود مجرى الأحداث- أو ربما وأنت لا تزال عالقاً بين سطورها، لا يمكن أن تنكرَ بأي شكل كان قمة المعاناة في صفوف البعض منا -والتي يعد السوري مثالا واحداً لها فقط-، التشييء الذي يحضاه من معذبيه، والانحطاط الإنساني الذي سيبقى خطا عريضا يشوه صفحات الإنسانية كدليل على ضعفنا وتخاذلنا في نصرة الحق!
من جهة أخرى، هي دعوة لدراسة الثقافة العربية؛ فقد تطرق الكاتب لبعض المشاكل الطائفية في سوريا كالتفريق بين السوري الشامي وغيره أو إن كان من “جوات السور” أو خارجه، وكذلك لم يغفل ذكر اعتزاز السوريين بالمطبخ السوري -حتى وإن كان ذلك في بلد أجنبي كألمانيا-، والقراءة في تاريخ الأمم وبداية الثورات التي غيرت مجرى حياة الشعوب، وكانت دليلا واقعيا على حق الإنسان في الحرية، الحرية بكل ما تحمله من معانٍ وتطبيقات واقعية، وليس فقط كبند على ورق.
1xbet casino siteleri bahis siteleri