نفسك أولا

535
الأمر لا علاقة له بالأنانية وحب الذات المرضي أو حتى بعلو النفس والتكبر؛ بل كنه الأمر هو معرفة قيمة الذات بمنحها مستحقاتها وجعلها في المرتبة الأولى قبل كل شيء في إطار المنطق المحمود.
كثيرا ما عشنا لإرضاء الغير، لسماع كلمة طيبة من أحدهم أو ابتسامة شكر بلهاء من آخر ولو كان مقابلها جلد ذواتنا من أجل إنجاز خدمات لم تكن في المستطاع، وهو حقيقة ظهر مع نشأة ثقافة التطبع التي سلطت الضوء وحولت السمو من التركيز على الفضيلة الداخلية إلى انحطاط التركيز على السحر والجاذبية الخارجية، بذلك تحور الوضع الإنساني من أهمية التصرفات الخفية والجوهر الإنساني الحق إلى قناع نلبسه جميعا بغية إرضاء الغير، فتركزت القيمة على نظرة الآخر ورأيه وبات هذا الأخير هو المحور الأساس، ليتبخر الجوهر وما نود فعله باقتناع أمام ما يتم عرضه لجذب إعجاب وإرضاء الأغيار من حولنا، فابتذلت قيمة الذات وأصبحت تسحق تحت أقدام أناس قد لا تجمعنا معهم روابط صلة قوية أو حتى أواصر محبة، إنما جاء بهم في طريقنا قطار الحياة بصفة أو بأخرى، فضحينا بوقتنا، جهدنا وأحيانا حتى قيمنا لإرضائهم لا لشيء إنما تعود من النفس ولعب من الدماغ الذي أضحى يفسر على نهجه ابتسامة باهتة على أنها فيض من الحب.
خدمة الآخر وكون الإنسان لطيفا مع الغير، ليس عيبا إنما هي قيم اكتسبناها مع النشأة سواء داخل الوسط الأسري أو في أحضان العائلات العربية وكذا داخل أسوار المدارس، لكن كما يعلم الجميع إن زاد الشيء عن حده انقلب إلى ضده، فعندما نصبح وحاشاه القول، عبيدا عند الغير نلبي طلباتهم حتى وإن كانت كلفة ومشقة على النفس، فهنا الضد، وعندما ننسى أولوياتنا وأشغالنا وأعمالنا في الحياة لنركز مع حيوات الآخرين ونساعدهم على إنجاز مهامهم دون مهامنا فهنا الضرر، وعندما نقلب قناعاتنا ونتجاوز حدود الأخلاق لتتناسب مع قناعات شخص آخر يكمن هنا الضرر، فكثيرا ما نستنزف طاقاتنا من أجل أغيار قد لا تستحق فعلا ما نبذله لأجلها.
إن من يجب فعلا إقناعها وإرضاؤها هي ذواتنا بوضعها محط نظرنا الوحيد، بالتركيز عليها والعمل على السمو بها يوما بعد آخر، ما وجب الاشتغال عليه هو أهدافنا وطموحاتنا وتغذيتها نجاحا بعد آخر، فالقيمة الحقيقية الذاتية، لا نبحث عنها في أعين الناس، لا نطلبها أو بالأحرى نشحدها من الآخرين بتلبية طلباتهم بل نراها رؤية واضحة لا ضباب عليها عند إبصار صورتنا على المرآة، ندركها إدراكا جليا عند إتمام مهامنا ورسم ابتسامة نصر ورضا على وجوهنا.
في الأخير إرضاء الناس غاية لا تدرك ورضا النفس فيما يرضي الله وفي المنطق المحمود ورضا الله غاية لا تترك، أن تعيش مستعبدا بسبب حبك لقبول الآخرين لك هو المفهوم الحرفي للعذاب النفسي وجلد الذات.
هي حياة واحدة سنعيشها فلا نستحق أن نعيش معيشة ضنكا من أجل راحة شخص آخر مهما كان دوره في تلك الحياة وليس الأمر بنفسي أولا وما دوني، لا يهم إنما كل شيء يحلو بالوسطية والاعتدال، نرضي الناس بما هو لهم، أما فيما يتعلق بنا، بكياننا وبعاطفيتنا فلا حاجة لنا في إرضاء الناس على حساب أنفسنا وسطر بالأحمر العريض، ليست أنانية إنما هي معرفة للذات ،فلنعرف قيمة ذواتنا جيدا ولنعمل على الحفاظ عليها والسمو بها لا غير.
1xbet casino siteleri bahis siteleri