طِفل بداخلنا

تأخدنا الحياة بين مدِّها وجزرها وتُجبرنا على أن نسلك طرقات كثيرة أغلبها ملتوية، نُكبِّل أنفسنا بالمسؤوليات الكثيرة والتي لا تنتهي. هذه المسؤوليات تصفعنا مرة وتحضننا مرة أخرى، نكتب سطرا عن النجاح وأسطرا عن الفشل ،فتُعيد تركيبنا من جديد،
نفقد خلال هذه المرحلة طعم الكثير من الأشياء الجميلة أهمها طفولتنا والطفل الكامن بدواخلنا.
هذا الطفل؛ نحن بحاجة ماسّة لوجوده وإعادته للحياة، لم نتخلّص بعد منه، نشعر أحيانا بحركته، بمحاولاته اللاّمنتهية ليتخلص من الأغلال التي كبّلناه نحن والزمن بها، يتنفس بصعوبة، يقاوم الموت فينا ولا يرضى الهزيمة أمام سنِّنا المتقدم، يرى أنها مسؤوليته أن يتنفس معنا وأن يسقينا بكل شيء جميل، وواجبه أن يكون مرآتنا التي نرى من خلالها أنفسنا بالعين المجردة، نرى كل شيء جميل فينا أخفته سلبيات الحياة، نرى صفاء قلوبنا وجمالها  نرى كم نحن أبرياء وكم هي مبهرة البدايات، لا نفكر فيما بعدها، تُعجبنا ألحان الطفولة، نستمتع بالأصوات البريئة لأننا نجد فيها كل معاني الإخلاص والصفاء.
هذه المرآة ستجعلنا نحاول جاهدين لإحياء تلك البذرة بداخلنا، ستصل بنا الحماسة لمشاركة الأطفال ألعابهم والدخول لعالمهم وأحيانا مشاركتهم نقاشاتهم؛ نقاشات بريئة، خالية من غبار الزمن وتقدّم السن. إحساس جميل أن نُجالس طفلا ونُشاركه ألعابه، نصرخ لأننا فزنا في لعبته المفضلة ونتصنّع الحزن لأننا خسرنا في أرضه، وبعدها نرقص فرحا معه ولا نهتم بفارق السن بيننا، ضحكاتنا تتعالى وأصواتنا مختلطة ببعضها لتعطي مزيجا ينسينا أننا فوق العشرين من عمرنا، إحساس أجمل أن نستمتع بأفلام الكرتون ونتذوق طعم الحلويات الملوّنة، وأن تُصيبنا الدهشة من جمال الأغاني الطفولية، وأن نركض بأعيُننا خلف فراشة جذب انتباهنا شكلها وألوانها الصيفية، والابتسامة لا تفارق محيّانا، هذه الابتسامة بالضبط هي عنوان الطفولة العريض وهي من تُبقي تلك الروح -روح الطفولة- حيّة، وذاك التفاؤل المرسوم بين تعابير وجهنا وخطوطه مهِّم جدا يُشعِرنا بالاسترخاء، ويجعلنا نتخلص من التوتر والضغط النفسي ويُثري حياتنا ويجعلها أكثر متعة، فالسلبية تقتل البراءة فينا وتقضي عليها وتقصّ جناح الطفل بداخلنا فيُسجن ويبقى حبيس جدران وهمية.
العلاقات واللحظات التي نقضيها مع الأصدقاء أيضا لها دور مهّم في إحياء صلة الرحم مع ماضينا وطفولتنا وتجديد العهد معهما، فهي تُعيدنا خطوات للوراء، الوراء الإيجابي الذي نتذكّره ونحن مبتسمون وأمنيتنا أن نعيده في الواقع ونعيشه ولو لجزء من الثانية، فكلما حافظنا على علاقتنا مع أصدقاء الطفولة، كلما تذكرناها وأحيينا أيامنا رفقتهم، وهذا ما يساعدنا على فهم جزء من مشاعرنا واحتياجاتنا العاطفية منها والنفسية.
الطفل الذي بداخلنا إذا هو موجِّهنا في تلك اللحظات المقدسة، يجعلنا نمنح لأنفسنا حرية التصرف دون قيود العمر، المجتمع وكلمة “عيب”، يُعيدنا لصفحاتنا الأولى، التي خُطّت ببراءة وهذا يشجع على الإبداع والابتكار نتمكن من خلاله استرجاع قدرتنا على السفر بخيالنا، والاستمتاع باللحظات البسيطة ويساعد على تعزيز التواصل والعلاقات الاجتماعية فنخرج للعالم بدون “فلاتر” وبدون أقنعة ويظهر الجانب الأكثر صدقا، وبالتالي تتحسّن جودة الحياة عندنا.
وختاما، ففي أغلب الحالات نحن لم نغادر الطفولة، ولم نطرد الطفل، ولكنها عوامل قتلت كل شيء حيّ فينا، أصبحنا كاليابسة، كتلك الأرض القاحلة التي امتنع كل شيء أخضر عن النمو فيها؛ هكذا نحن بدون طفولة، وعندما نتنكّر للطفل الموجود فينا. لكننا نحن من منحنا هذه العوامل الغامضة حق تخريب اللوحة الجميلة الذي رسمناها سابقا، حق تلوينها بألوان قريبة من السواد، نحن من منحناها صلاحية تغيير شخصياتنا وجَعْلنا سجناء العمر المتقدم ولِسان المجتمع الذي ينطق فقط بكلمة “عيب” و”ممنوع” ووافقنا على أنفسنا أن نكون تحت سيطرتهم.
1xbet casino siteleri bahis siteleri